ونؤمن أن الله خلق النجوم والكواكب لحكم عظيمة، منها ما ذكره الحق جل في علاه في قوله: {وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُون} [النحل: 16]، قال قتادة رحمه الله: «والعلامات: النجوم، وإن الله تبارك وتعالى إنما خلق هذه النجـوم لثلاث خصلات: جعلها زينة للسماء، وجعلها يُهْتَدَى بها، وجعلها رجومًا للشياطين، فمن تعاطى فيها غير ذلك: فقَدَ رأيهُ، وأخطأ حظه، وأضاع نصيبه، وتكلَّف ما لا علم له به». (تفسير الطبري (17/ 185).)
وعن أبي موسى رضي الله عنه قَالَ: صَلَّيْنَا الْمَغْرِبَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قُلْنَا: لَوْ جَلَسْنَا حَتَّى نُصَلِّيَ مَعَهُ الْعِشَاءَ. قَالَ: فَجَلَسْنَا، فَخَرَجَ عَلَيْنَا، فَقَالَ: «مَا زِلْتُمْ هَاهُنَا؟» قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، صَلَّيْنَا مَعَكَ الْمَغْرِبَ، ثُمَّ قُلْنَا: نَجْلِسُ حَتَّى نُصَلِّيَ مَعَكَ الْعِشَاءَ، قَالَ: «أَحْسَنْتُمْ، أَوْ أَصَبْتُمْ»، قَالَ: فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، وَكَانَ كَثِيرًا مِمَّا يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ: «النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ، فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ، وَأَنَا أَمَنَةٌ لِأَصْحَابِي، فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ، وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي، فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ». (أخرجه مسلم (2531).)
وقـال الحق جـل شأنه: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ} [الملك: 5].
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْأَنْصَارِ، أَنَّهُمْ بَيْنَمَا هُمْ جُلُوسٌ لَيْلَةً مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم رُمِيَ بِنَجْمٍ فَاسْتَنَارَ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَاذَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، إِذَا رُمِيَ بِمِثْلِ هَذَا؟» قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، كُنَّا نَقُولُ: وُلِدَ اللَّيْلَةَ رَجُلٌ عَظِيمٌ، وَمَاتَ رَجُلٌ عَظِيمٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «فَإِنَّهَا لَا يُرْمَى بِهَا لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنْ رَبُّنَا تبارك وتعالى اسْمُهُ، إِذَا قَضَى أَمْرًا سَبَّحَ حَمَلَةُ الْعَرْشِ، ثُمَّ سَبَّحَ أَهْلُ السَّمَاءِ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، حَتَّى يَبْلُغَ التَّسْبِيحُ أَهْلَ هَذِهِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا، ثُمَّ قَالَ: الَّذِينَ يَلُونَ حَمَلَةَ الْعَرْشِ لِحَمَلَةِ الْعَرْشِ: مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ فَيُخْبِرُونَهُمْ مَاذَا قَالَ». قَالَ: «فَيَسْتَخْبِرُ بَعْضُ أَهْلِ السَّمَوَاتِ بَعْضًا، حَتَّى يَبْلُغَ الْخَبَرُ هَـذِهِ السَّمَاءَ الدُّنْيَا، فَتَخْطَفُ الْجِنُّ السَّمْعَ، فَيَقْذِفُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ، وَيُرْمَـوْنَ بِهِ، فَمَا جَاؤُوا بِهِ عَلَى وَجْهِهِ فَهُوَ حَقٌّ، وَلَكِنَّهُمْ يَقْرِفُونَ فِيهِ، وَيَزِيدُونَ». (أخرجه مسلم (2229).)
وكان الشياطين يسترقون السمع، فلما بُعث نبينا محمدٌ صلى الله عليه وسلم مُنِعوا مقاعدهم من السمع، قال المولى عز شأنه مخبرًا عن ذلك: {وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا} [الجن: 9]، وقال تعالى: {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِب * وَحِفْظًا مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِد * لاَ يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلإِ الأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِب * دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِب * إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِب} [الصافات: 6-10].
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كَانَ الجِنُّ يَصْعَدُونَ إِلَى السَّمَاءِ يَسْتَمِعُونَ الوَحْيَ، فَإِذَا سَمِعُوا الكَلِمَةَ زَادُوا فِيهَا تِسْعًا، فَأَمَّا الكَلِمَةُ فَتَكُونُ حَقًّا، وَأَمَّا مَا زَادُوهُ فَيَكُونُ بَاطِلًا، فَلَمَّا بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُنِعُوا مَقَاعِدَهُمْ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِإِبْلِيسَ، وَلَمْ تَكُنِ النُّجُومُ يُرْمَى بِهَا قَبْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُمْ إِبْلِيسُ: مَا هَذَا إِلَّا مِنْ أَمْرٍ قَدْ حَدَثَ فِي الأَرْضِ، فَبَعَثَ جُنُودَهُ، فَوَجَدُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمًا يُصَلِّي بَيْنَ جَبَلَيْنِ -أُرَاهُ قَالَ: بِمَكَّةَ- فَلَقُوهُ، فَأَخْبَرُوهُ، فَقَالَ: هَذَا الْحَدَثُ الَّذِي حَدَثَ فِي الْأَرْضِ». (أخرجه الترمذي (3324)، وأحمد (2482)، والنسائي في الكبرى (11562)، وأبو يعلى (2502).)
ونؤمن أن النجوم والكواكب لا تنفع ولا تضر، ولا تؤثر في الحوادث السماوية والأرضية، ومن اعتقد أنها مؤثرة بذاتها فقد كفر أو أشرك، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مُطِرَ النَّاسُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَصْبَحَ مِنَ النَّاسِ شَاكِرٌ، وَمِنْهُمْ كَافِرٌ»، قَالُوا: هَذِهِ رَحْمَةُ اللهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَقَدْ صَدَقَ نَوْءُ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: «فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُوم} [الواقعة: 75]، حَتَّى بَلَغَ{وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُون} [الواقعة: 82]». (أخرجه مسلم (73).)
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي فِي آخِرِ زَمَانِهَا إِيمَانٌ بِالنُّجُومِ، وَتَكْذِيبٌ بِالْقَدَرِ، وَحَيْفُ السُّلْطَانِ». (أخرجه الروياني (1245)، والطبراني في الكبير (8113).)
ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النظر في النجوم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنِ اقْتَبَسَ عِلْمًا مِنَ النُّجُومِ، اقْتَبَسَ شُعْبَةً مِنَ السِّحْرِ، زَادَ مَا زَادَ». (أخرجه أبو داود (3905)، وابن ماجه (3726)، وابن أبي شيبة (26159)، وأحمد (2000)، وعبد بن حميد (714).)
فلا يجوز تعلُّم النجوم إلا بقدر ما يُهْتَدى به في برٍّ أو بحر؛ لأن تعلُّمَها يدعو إلى الكهانة، فعن سعيد بن جبير قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبَّاسٍ، أَوْصِنِي. فَقَالَ: أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَإِيَّاكَ وَذِكْرَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا سَبَقَ لَهُمْ مِنَ الْفَضْلِ. وَإِيَّاكَ وَعَمَلَ النُّجُومِ إِلَّا مَا يُهْتَدَى بِهِ فِي بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ، فَإِنَّهَا تَدْعُو إِلَى كَهَانَةٍ. وَإِيَّاكَ وَمُجَالَسَةَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِالْقَدَرِ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ تُسْتَجَابَ دَعْوَتُهُ، وَأَنْ يُزَكَّى عَمَلُهُ، وَيُقْبَلَ مِنْهُ، فَلْيَصْدُقْ حَدِيثَهُ، وَلْيُؤَدِّ أَمَانَتَهُ، وَلْيُسْلِمْ صَدْرَهُ لِلْمُسْلِمِينَ». (أخرجه ابن بطة في الإبانة (1987).)