ونؤمن بالملائكة، ونعلم علم اليقين أن الإيمان بالملائكة هو الركن الثاني من أركان الإيمان، قال المولى جل شأنه: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ} [البقرة: 285]، وقال الحق سبحانه وتعالى: {لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} [البقرة: 177]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا بَارِزًا لِلنَّاسِ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولُ اللهِ، مَا الْإِيمَانُ؟ قَالَ: «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكِتَابِهِ، وَلِقَائِهِ، وَرُسُلِهِ، وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ الْآخِرِ». (أخرجه البخاري (4777)، ومسلم (9)، وابن ماجه (64).)
قال البيهقي رحمه الله: «والإيمان بالملائكة ينتظم معاني: أحدها: التصديق بوجودهم. والآخر: إنزالهم منازلهم، وإثبات أنهم عباد الله، وخلقه كالإنس والجن، مأمورون مكلفون لا يقدرون إلا على ما قدّرَهم الله تعالى عليه، والموت جائز عليهم، ولكن الله تعالى جعل لهم أمدًا بعيدًا، فلا يتوفاهم حتى يبلغوه، ولا يوصفون بشيء يؤدي وصفهم به إلى إشـراكهم بالله تعالى جدُّه، ولا يُدْعون آلهة كما ادعتهم الأوائل. (يطلقون الأوائل، ويقصدون هم الفلاسفة.) والثالث: الاعتراف بأن منهم رسل الله يرسلهم إلى من يشاء من البشر، وقد يجوز أن يرسل بعضهم إلى بعض، ويتبع ذلك الاعتراف بأن منهم حملة العرش، ومنهم الصافون، ومنهم خزنة الجنة، ومنهم خزنة النار، ومنهم كتبة الأعمال، ومنهم الذين يسوقون السحاب، وقد ورد القرآن بذلك كله أو بأكثره». (شعب الإيمان (1/ 296).)
فذكر البيهقي ثلاثة من معاني الإيمان بالملائكة.
والرابع: الإيمان بالملائكة على سبيل الإجمال والتفصيل، فنؤمن بوجود الملائكة إيمانًا مجملًا، ونؤمن بمن علمنا من أسمائهم وصفاتهم وأعمالهم كما ورد في الكتاب والسنة إيمانًا مفصلًا.
ونعلم أن ما خفي علينا من أعدادهم وأعمالهم وصفاتهم أكثر مما علمنا، ولكننا نؤمن بكل ذلك كما أخبرنا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، لا نطلب له كيفية ولا نرده بعقولنا، ولا نتوهمه بآرائنا، ولا نتأوله باجتهاداتنا، بل نقول: آمنا، وصدقنا، وسلّمنا.