ونؤمن بأن الله هو الأول، فليس قبله شيء، وهو الآخر فليس بعده شيء، وعرّفنا بنفسه أنه هو الذي خلق السموات والأرض، وأنه هو المالك الحق للسموات والأرض، وأنه يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل سبحانه وتعالى، وأن هذا الكون المشهود شاهد على أنه هو الموجِد الخالق له وحده ولا خالق معه.
وذكر من آياته الدالة على أنه هو الموجد الخالق لهذا الكون دلائلَ كثيرةً لا يُحاط بها، وأقام الحجة علينا بما نراه في أنفسنا وبما نراه مِنْ حولنا.
ونؤمن بما آمنت به الأنبياء والمرسلون، ونستيقن بما أتوا به من الأدلة والبراهين الدالة عليه سبحانه وتعالى.
ونؤمن أن الله هو الخالق، ولم يخلق خلقه عبثًا؛ بل كان خلقًا محْكمًا لغاية عظيمة.
إلى غير ذلك مما ورد كثيرًا في القرآن الكريم -كما في «سورة الأنعام» و«النحل» وغيرهما- من الدلائل التي لا تحصى، والشواهد التي لا تحصر، وكلها دالة على وجوده وربوبيته، وهي دلائلُ عقليةٌ، وبراهينُ عظيمةٌ، لا يستطيع أحد أن يـأتي بمثلها أو قريب منها، وهي في تنوُّعها مناسبة لجميع الخلق، كافية في إقامة الحجة عليهم، ولو جحد الكافرون، وكره المبطلون، وهل عند الكافر دليل إلا الإنكار والجحود؟!
ونؤمن بأن الله واحد في ربوبيته، وبأنه هو الخالق وحده، وهو الذي بدأ الخلق ولم يشاركه فيه أحد، وأن الله يخلق بأمره سبحانه وتعالى، ويخلق سبحانه وتعالى بما يشاء من الأسباب، وأن كل ما سواه مخلوق.
ونؤمن بأن الله رب كل شيء وخالقه ومدبره، ومالكه، وهو المتصرف فيه، ولا يملك أي مخلوق تدبير أمر نفسه، أو تدبير أمر غيره إلا ما أقدره الله عليه.
ونؤمن بأنه هو المالك الحق، وما سواه مملوك، وكل مَلِكٍ فملكه باطل أو مؤقت زائل.
ونؤمن أن الله هو المحيي المميت وحده سبحانه، وأنه هو الذي خلق الموت والحياة، وأنه هو الذي يتوفى الأنفس.
ونؤمن أنه هو الرزاق ذو القوة المتين، فلا رازق غيره، ولا كافي سواه. ونؤمن بأنه سبحانه قد أحاط بكل شيء علمًا، فلا يعزب عن علمه صغير أو كبير، وأنه سبحانه وتعالى عالم الغيب والشهادة.
ونؤمن بأنه تعالى قد قهر كل شيء عزة وحكمًا.
ونؤمن بأن الرب جل شأنه له الخلق والأمر، فلا رب سواه، ولا مشرِّع غيره، فهو الذي خلق الخلق، وشرع الشرائع، وفرض الفرائض، وبيَّن الدين، وهو المالك لهم، وهو القادر وحده على حسابهم وجزائهم.
ونؤمن بأن الرب جل شأنه خالق العباد، وخالق أفعالهم.
ونؤمن أن الإيمان بربوبية الله فقط لا يكفي الإنسان لأن يكون مؤمنًا، وهذا الإيمان لا يدخل صاحبه الجنة؛ لأنه لم يؤمن أن الله هو المعبود الحق، وألا يعبد إلا الله وحده.
ونؤمن بأن الله واحد في ألوهيته، وأنه لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنه هو الحق، وأن ما يدعون من دونه الباطل. وهذا الأمر العظيم هو الذي من أجله أنزل الله الكتب، وأرسل الرسل، وخلق الجنة والنار، وأجمعت عليه جماهير علماء الأمة، ودلت عليه الفطرة، وشهدت له العقول السليمة. ونعلم علم اليقين أن أساس دعوة الأنبياء لأقوامهم هي: دعوتهم لعبادة الله وحده، وترك عبادة ما سواه.
والعبادة الحقة هي ما كانت لله رب العالمين، موافقة لهدي سيد المرسلين؛ لأن عبادة كل معبود سواه باطلة.
وهذا الركن الركين والأساس المتين من دين الله - وهو إثبات الألوهية لله وحده ونفي العبادة عما سواه- هو قطب رَحَا الدين، وعماد دعوة المرسلين، ومعناها: إفراد الخالق بأعمال الخلق.
وفي القرآن كثيرًا ما يحتجُّ الله على العباد بآيات ربوبيته التي تستلزم عبادته وحده، سبحانه وتعالى.
ونؤمن بأن الخالق لهذه الآيات الكونية الكبرى هو وحده سبحانه، وكما أنه ليس معه خالق فلا ينبغي أن يُعْبد غيره.
وقد نوَّع الله في الأدلة التي نصبها شواهدَ على ألوهيته تنويعًا تقوم به الحجة، وتتضح به المحجة؛ لئلا يكون للناس على الله حجة.
والإقرار لله بالألوهية، مع الشهادة للرسول صلى الله عليه وسلم بالرسالة هو الذي جعله الله حدًّا في عصمة الدماء، وحفظ الأنفس.
ولا بد مع الإيمان بالله من الكفر بالطاغوت، والبراءة من الشرك وأهله.
وهذا الإيمان لا يكفي أن يكون في القلب، بل لا بد أن ينطق به اللسان، ولا يتحقق الإيمان حتى تعمل به الجوارح، ويتفاوت الإيمان في القلب زيادة ونقصًا.
وهذا الإيمان لا بد أن يكون العبد فيه مخلصًا لله رب العالمين، وأن يكون مستيقنًا غير شاكٍّ، وأن يكون إيمانه عن علم وإخلاص وقبول، واستسلام وانقياد وصدق في قوله وفعله واعتقاده، مع الحب لهذا الدين، ومَنْ شرعه، ومَنْ جاء به، ومَنْ دان به.
وكما بيَّن الله حقيقة الإيمان ومقتضاه وأركانه وشرائطه، فقد نقض شُبَه المشركين المعاندين، وبين أن ليس لهم حجة في شركهم؛ لأن هؤلاء الأنداد مخلوقون مُدَبَّرون لا يخلقون شيئًا، ولا يملكون مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض.
وبين الحق أن هؤلاء الأنداد المعبودين من دون الله لا يسمعون دعاء من دعاهم، ولو سمعوا ما استجابوا لهم، ويوم القيامة يكفرون بشركهم، ويتبرؤون منهم.
كما بين الحق أن هؤلاء الأنداد المعبودين من دون الله لا ينفعون ولا يضرون، فكيف يُعْبدون من دون الله؟!
وأبطل الله عبادة الملائكة، وبين أنهم -مع أنهم مقربون لله- لا يشفعون إلا من بعد إذنه، فإذا كانت هذه حال الملائكة، فكيف يُعْبدون من دون الله؟!
والأنبياء والمرسلون عليهم السلام -مع علو مقامهم في الدنيا والآخرة- لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًّا، فكيف بمن دونهم؟!
ونؤمن بأن الله واحد في صفاته ونعوت كماله وجلاله سبحانه وتعالى، وأن الله سبحانه وتعالى له الأسماء الحسنى والصفات العلى، تشهد له بذلك العقول الكاملة، وتسلم له بذلك الفِطَر السليمة، وأجمع على ذلك علماء أمة الإسلام، بل كل الرسالات الإلهية جاءت ببيان صفات الله وأسمائه وأفعاله سبحانه وتعالى، وعاب الله آلهة المشركين بأنها لا تسمع ولا تبصر.
ونؤمن أنه كما وصف نفسه، وكما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، فهو سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، فنثبت لله ما أثبته لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، وننفي عنه ما نفاه عن نفسه، أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم، من غير تعطيل ولا تمثيل، ولا تكييف ولا تحريف.
ونعلم علم اليقين أن ربنا متصف بصفاته قبل أن يَخْلق الخلق، وأنه على غاية الكمال والجلال والجمال منذ الأزل إلى الأبد؛ إذ هو الأول والآخر، فهو أول ليس قبله شيء، وآخر ليس بعده شيء، فهو الأول بأسمائه وصفاته كمالًا ومجدًا، وهو الآخر بأسمائه وصفاته كمالًا ومجدًا.
ونؤمن أن من صفات الله صفاتٍ ملازمةً لذاته، كالحياة، والعلم، والسمع، والبصر، واليد، والأصابع، وأن من صفاته صفاتٍ متعلقةً بمشيئته، كالغضب، والرضى، والنزول.
ونؤمن أنه الفعال لما يريد، فهو يفعل متى شاء ما يشاء كيفما يشاء، يعز من يشاء، ويذل من يشاء، لا راد لأمره، ولا معقب على قضائه وحكمه.
ونؤمن أن صفات الله منها ما ورد مطلقًا، فنصف الله به على إطلاقه، كالسمع، والحياة، والبصر، وغيرها، ومنها ما ورد مقيدًا، فيبقى على تقييده، كوصفه سبحانه بأنه يمكر بأعدائه إذا مكروا، وينسى أعداءه إذا نسوه.
ومن صفاته سبحانه وتعالى: العلم، والسمع، والبصر، والحياة، والقيومية، والكلام، وهو موصوف بالكلام قبل أن يَخْلق الخلق ويكلمهم، وكلام ربنا متعلق بمشيئته، فمتى شاء تكلم. وقد ورد الخبر عن صفة الكلام لله في القرآن على أوجه متعددة، فورد أنه يكلم عباده، ويناجي وينادي من شاء منهم، ويكلم الخلائق يوم القيامة، وتسمع الخلائق يوم القيامة كلام الله.
ونؤمن أن الله سبحانه وتعالى قد احتجب عن خلقه بحجاب من نور، فلا يرونه في الدنيا، وإن كان بعض أنبيائه سمعوا كلامه لما كلمهم من وراء حجاب، كما كلم موسى عليه السلام .
وكلام ربنا يوصف بأن بعضه أحدث من بعض، وبعضه أفضل من بعض.
ومن كلامه: القرآنُ، وكلُّ الكتب الإلهية المنزلة على رسله، كصحف إبراهيم وموسى عليهما السلام، والتوراة، والإنجيل، والزبور - كلها كلام الله، وكلها تكلم الله بها، وسمعها جبريل منه بلا واسطة، وجبريل تنزّل بها على أنبياء الله ورسله عليهم السلام. وتميزت التوراة بأن الله أنزلها مكتوبة في الألواح- وكلام الله وكلماته غير مخلوقة، وكلام الله غير خلقه، ألا ترى أنه فصل بين الخلق والأمر، ونفرق بين كلمات الله الكونية، وكلماته الشرعية.
ومن صفاته سبحانه وتعالى: العزة، والقهر، والجبروت، والملكوت، والكبرياء، والعظمة، والإرادة، والمشيئة، والقدرة، والرحمة، فهذه الرحمة صفة من صفاته، وهي مضافة إلى الله إضافة الصفة إلى الموصوف.
ومن صفاته: العلو، وهو علو القهر، وعلو القدر، وعلو الذات، فالثلاثة كلها صفته دالة على كماله، وقد دل القرآن العظيم والسنة النبوية الشريفة والعقل والفطرة على العلو بأوجه متعددة، بل الأدلة الدالة على أن الله في العلو أنواع كثيرة، وتحت كل نوع أفراد كثيرة لا تحصى.
ومن صفاته سبحانه وتعالى: الاستواء على العرش وقد ذكره الله في سبعة مواضع من كتابه.
ومن صفاته سبحانه: المحبة. ومن صفاته: الرضى. ومن صفاته: كراهيته لأعدائه؛ ذلك لأنهم كرهوا رضوانه، وكرهوا ما أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم.
ومن صفاته: الغضب على أعدائه والمقت: وهو مقته للكافرين.
ومن صفاته: مكره بأعدائه الذين يمكرون بأوليائه. ومنها: الأسف، وهو أشد الغضب. ومن صفاته: مخادعة من يخادعه، فالله يخادع المنافقين الذين يخادعونه. ومن صفاته جل وعلا، أنه يستهزئ بمن يهزأ به، سبحانه وتعالى.
ومن صفاته: الضحك، والعَجَب، والمجيء والإتيان يوم القيامة لفصل القضاء بين الناس.
ونؤمن بصفة النزول، وأن ربنا ينزل إلى السماء الدنيا نزولًا حقيقًّا يليق بجلاله وعظمته، وهو ليس كنزول المخلوقين، بل هو كسائر صفاته التي نؤمن بها، ونعلمها، ولا نتمحل في تكييفها، أو نتكلف في ردها؛ بل نؤمن بها كما أخبرنا بها رسولنا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.
ونؤمن بصفة المعية لله رب العالمين، وأن الله مع خلقه. وهذه المعية نوعان: معية خاصة، وهذه تكون لأولياء الله ورسله عليهم السلام، ومقتضاها النصر والتأييد، ومعية عامة مع الخلق كلهم، مؤمنهم وكافرهم، ومقتضاها: العلم، والإحاطة، والقدرة، والسلطان.
وهذه المعية لا توجب حلولًا ولا اختلاطًا، ولا تنافي علوَّ الله تعالى؛ لأن معناها بإجماع أهل العلم: العلم والإحاطة؛ أي: أن الله تعالى معنا بعلمه وإحاطته وقدرته.
ونثبت لله وجهًا يليق بجلاله وعظمته، ويدًا تليق بجلاله وكماله، وقد ورد الخبر عنها في القرآن والسنة على أوجه متعددة، فقد ورد ذكر اليد مثناة، وأن الله يقبضها ويبسطها، وأن الرب يطوي بها السموات، والأرض في قبضته سبحانه وتعالى، وأن اليد موصوفة بأنها ذات أصابع. وكل ذلك يثبت أن اليد التي ورد وصفها في القرآن والسنة يد حقيقية تليق بجلاله، لا نتكلف في تأويلها، أو تشبيهها، أو تحريف الآيات والأحاديث الدالة عليها. ومن صفاته: صفة الأصابع.
ونؤمن برؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة، وهذا مما دل عليه الكتاب، وتواترت به الأخبار عن رسولنا صلى الله عليه وسلم فيما بشَّر به المؤمنين أنهم يرون ربهم عِيانًا يوم القيامة.
وكما وصف نفسه بصفات الكمال والجمال والجلال والعزة والكبرياء، فقد نفى عن نفسه صفات النقص، وليس النفي في الصفات هو الأصل في القرآن والسنة؛ لأن الأصل هو إثبات الصفات، والقرآن والسنة مملوءان ببيان صفات الله عز وجل كما ينبغي لجلاله وعظمته وكماله، والرب سبحانه وتعالى إذا نفى عن نفسه صفة فإنما ينفيها؛ لبيان الكمال في ضدها، أو لأن البشر نسبوا النقص إلى ذي العزة والكمال، فينفي الرب النقص المنسوب إليه.
ونؤمن أن الله سبحانه وتعالى له الأسماء الحسنى، وأن أسماءه قد بلغت الغاية في الحسن، فلا أحسن منها، وكل اسم يشتق لله منه صفة، وأسماؤه لا حصر لها.
وحذرنا ربنا من الإلحاد في أسمائه، أو إنكارها، أو جحود معانيها، أو تعطيلها.
وما ورد في القرآن والسنة من أسماء الله وصفاته أعظم من أن يحيط به كتاب، ونحن نؤمن بهذه الأسماء والصفات على مراد ربنا، وعلى مراد رسولنا صلى الله عليه وسلم، ونعلم أن حقائقها لا يعلم بها البشر، ولا يحيطون بها، ولا تبلغها أفهامهم، ولا نتكلف في تأويلها.