ونؤمن بالملائكة، ونعلم علم اليقين أن الإيمان بالملائكة هو الركن الثاني من أركان الإيمان.
والإيمان بالملائكة ينتظم معاني:
أحدها: التصديق بوجودهم.
الثاني: إنزالهم منازلهم، وإثبات أنهم عباد الله وخلقه، كالإنس والجنِّ، مأمورون مكلفون لا يقدرون إلا على ما يقدرهم الله تعالى عليه، والموت جائز عليهم، ولكن الله تعالى جعل لهم أمدًا بعيدًا، فلا يتوفاهم حتى يبلغوه، ولا يوصفون بشيء يؤدي وصفهم به إلى إشراكهم بالله -تعالى جَدُّه- ولا يُدْعون آلهة، كما ادعى ذلك المشركون.
الثالث: الاعتراف بأن منهم رُسُلَ الله يرسلهم إلى من يشاء من البشر، وقد يجوزُ أن يرسل بعضهم إلى بعض، ويتبع ذلك الاعتراف بأن منهم حملة العرش، ومنهم الصّافون، ومنهم خزنة الجنة، ومنهم خزنة النار، ومنهم كتبة الأعمال، ومنهم الذين يسوقون السحاب، وقد ورد القرآن بذلك كله أو بأكثره. (شعب الإيمان (1/ 296).)
الرابع: الإيمان بالملائكة على سبيل الإجمال والتفصيل، فنؤمن بوجود الملائكة إيمانًا مجملًا، ونؤمن بمن علمنا من أسمائهم وصفاتهم وأعمالهم كما ورد في الكتاب والسنة إيمانًا مفصلًا.
ونؤمن بمن علمنا منهم ومن لم نعلم، ونؤمن بأعمالهم وصفاتهم، ونعلم أن ما خفي علينا من أعدادهم وأعمالهم وصفاتهم أكثر مما علمنا، ولكننا نؤمن بكل ذلك، كما أخبرنا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، لا نطلب له كيفية، ولا نرده بعقولنا، ولا نتوهمه بآرائنا، ولا نتأوله باجتهاداتنا، بل نقول: آمنا، وصدقنا، وسلّمنا.
ونؤمن أن الله خلق الملائكة من نور، فهم خلقٌ مِنْ خلْق الله، خلقهم على هيئة مخصوصة لا يعلم حقيقتها إلا اللهُ، وهم عباد مربوبون، خلقهم لعبادته، والقيام بأوامره، فهم يعبدونه، ولا يستنكفون عن عبادته.
ومن عباداتهم: التسبيح، والسجود، والخوف، والوجل، وهم -مع عظيم عبادتهم- يخافون ربهم أشد الخوف، ومن عباداتهم: أنهم يوالون في الله، ويحبون في الله.
ونؤمن أن الله خلقهم على هيئة لا يحيط بها إلا الذي خلقهم عليها.
ونؤمن أن الله جعل لهم أجنحة، وقد أذن لهم أن يأتوا إلى الأنبياء والرسل عليهم السلام على هيئة البشر، ومن زعم من المشركين أن الملائكة بنات الله فقد أكذبه الله.
ونؤمن أن الملائكة لا يأكلون، ولا يشربون؛ لأنه ليس لهم شهوات، وأن من خُلقهم الحياء، وأنهم يتأذون مما يتأذى منه بنو آدم.
ونؤمن أن الله جعل فيهم من القوة والبأس ما لا يحاط به، والملائكة خلق كثير لا يحصي عددهم إلا الذي خلقهم.
ونؤمن أن الله شرّفهم، وكلفهم أعمالًا جليلةً وكثيرة ومتنوعة، وأشرفها أن يكونوا رسلًا بين الله وبين عباده، يبلغونهم الوحي، والمَلَك الموكَّل بإنزال الوحي إلى أنبياء الله ورسله عليهم السلام هو جبريل عليه السلام . وقد يرسلهم الله إلى غير الأنبياء ابتلاء وامتحانًا.
ومن أعمالهم: حمل العرش، وكتابة القدر، والقيام على شؤون الأرحام ومن فيها - خلقًا وتصويرًا ونفخًا - وتوفي العباد، ونفخ الأرواح في الأجساد في الدنيا وفي الآخرة، والجهاد مع المؤمنين، والدعاء للمؤمنين والاستغفار لهم، وشهود عبادات المؤمنين، ورفع كلماتهم الطيبة، وإخبار الرب عن أعمالهم -وهو الخبير العليم الذي لا يحتاج إلى من يخبره.
ومن أعمالهم: النزول إلى الأرض في مواسم الإيمان، كيوم الجمعة ويوم عرفة وليلة القدر.
ومن أعمالهم: إبلاغ النبي صلى الله عليه وسلم صلوات أمته عليه.
ومن أعمالهم: حفظ بني آدم، وكتابة الحسنات والسيئات، وحراسة المدينة النبوية من الدجال، وسؤال الميت في قبره، وتبشير المؤمنين عند الموت بالفوز العظيم، واستقبالهم في الدار الآخرة، والدخول عليهم من أبواب الجنة، وأنهم يتنزلون مع الله صفًّا صفًّا يوم القيامة.
ومن أعمالهم: أن منهم خازن الجنة، وخازن النار.
ونؤمن أن الله جعل للملائكة مقاماتٍ ومراتبَ، وأعظمُ الملائكة مقامًا جبريلُ وميكائيل وإسرافيل، ومن أشرافهم: حملة العرش، وكذا من حضر غزوة بدر من الملائكة، وفي كل سماء من الملائكة ما لا يحصي عددهم إلا الله، وهؤلاء الملائكة لكلٍّ منهم مقام معلوم، وفيهم مقربون.