اللغات المتاحة للكتاب English پښتو اردو

بــاب الإيمان بالقرآن العظيم

ونؤمن أن القرآن الكريم هو أعظم الكتب الإلهية وأكملها وأشرفها، وهو آخرها، نزل به جبريل  عليه السلام  على قلب رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِين   * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِين   * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِين} [الشعراء: 192-194]، واختار الله له أشرف اللغات، فأنزله بلسان عربي مبين، قال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُون} [يوسف: 2]. قال ابن قتيبة: «وإنما يعرف فضلَ القرآن مَنْ كَثُرَ نَظَره، واتسع علمه، وفهم مذاهب العرب وافتنانها في الأساليب، وما خصّ الله به لغتها دون جميع اللغات؛ فإنه ليس في جميع الأمم أمّة أوتيت من العارضة والبيان، واتساع المجال، ما أوتيته العرب خصّيصي من الله؛ لما أرهصه في الرسول صلى الله عليه وسلم، وأراده من إقامة الدليل على نبوّته بالكتاب، فجعله علمه، كما جعل علم كل نبي من المرسلين، من أشبه الأمور بما في زمانه المبعوث فيه». (تأويل مشكل القرآن (ص: 17).)

وأول ما أنزل الله منه: قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَق} [العلق: 1]، فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت في أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم: حَتَّى جَاءَهُ الحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ، فَجَاءَهُ الملكُ، فَقَالَ: «اقْرَأْ، قَالَ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، قَالَ: فَأَخَذَنِي، فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ، قُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي، فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ، فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي، فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ   : {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَق   * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَق *      اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَم}   [العلق: 1-3]، فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَرْجُفُ فُؤَادُهُ. (أخرجه البخاري (3)، ومسلم (160)، والترمذي (3632).) ومن أواخر ما نزل منه: قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} [المائدة: 3]».

وقد نزل القرآن منجمًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم خلال سنوات نبوته، ومنه المكي والمدني، وعدد سوره مائة وأربع عشرة سورة، وأعظم سوره «سورة الفاتحة»، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بَيْنَمَا جِبْرِيلُ قَاعِدٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سَمِعَ نَقِيضًا مِنْ فَوْقِهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: «هَذَا بَابٌ مِنَ السَّمَاءِ فُتِحَ الْيَوْمَ لَمْ يُفْتَحْ قَطُّ إِلَّا الْيَوْمَ، فَنَزَلَ مِنْهُ مَلَكٌ، فَقَالَ: هَذَا مَلَكٌ نَزَلَ إِلَى الْأَرْضِ لَمْ يَنْزِلْ قَطُّ إِلَّا الْيَوْمَ، فَسَلَّمَ، وَقَالَ: أَبْشِرْ بِنُورَيْنِ أُوتِيتَهُمَا لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِيٌّ قَبْلَكَ: فَاتِحَةُ الْكِتَابِ، وَخَوَاتِيمُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، لَنْ تَقْرَأَ بِحَرْفٍ مِنْهُمَا إِلَّا أُعْطِيتَهُ». (أخرجه مسلم (806)، والنسائي (912).) و«سورة الإخلاص» تعدل ثلث القرآن، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «أَقْرَأُ عَلَيْكُمْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ»، فَقَرَأَ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد * اللَّهُ الصَّمَد} حَتَّى خَتَمَهَا. (أخرجه مسلم (812).)

وأعظم آياته آية الكرسي، فعن أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يَا أَبَا الْمُنْذِرِ، أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ مَعَكَ أَعْظَمُ؟» قَالَ: قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «يَا أَبَا الْمُنْذِرِ أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ مَعَكَ أَعْظَمُ؟» قَالَ: قُلْتُ: {اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}  [البقرة: 255]. قَالَ: فَضَرَبَ فِي صَدْرِي، وَقَالَ: «وَاللهِ لِيَهْنِكَ الْعِلْم أَبَا الْمُنْذِرِ». (أخرجه مسلم (810)، وأبو داود (1460).)

وأثنى الله على نفسه بإنزال هذا الكتاب، فقال جل ثناؤه: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا} [الكهف: 1]. كما أثنى سبحانه وتعالى على هـذا الكتاب العظيم، فقال الحق جل شأنه وتعالى سلطانه: {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون} [الحشر: 21]، وقال سبحانه أيضًا: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى} [الرعد: 31]، وجعله هدى ورحمة للمؤمنـين، قال الله تعالى: {هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمِ يُوقِنُون} [الجاثية:  20]، وموعظة وشفاء من أدواء القلوب والأبدان، فقال الحق جل شأنه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِين} [يونس: 57]، وقال سبحانه وتعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا} [الإسراء:  82].

ونؤمن أن هذا الكتاب العظيم هو أكمل الكتب الإلهية وأشملها، وتضمن من الحجج والبراهين، وضَرْب الأمثال ما تقوم به الحجة على الخلق إلى قيام الساعة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا} [النساء: 174]، وقال الحق جل في علاه: {وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} [الفرقان: 33]، وقال تعالى: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُورًا} [الإسراء: 89]، وقال سبحانه وتعالى: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَـذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُواْ وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُورًا} [الإسراء: 41]، قال ابن جرير: «يقول تعالى ذكره: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا} لهؤلاء المشركين المفترين على الله {فِي هَـذَا الْقُرْآنِ} العبر والآيات والحجج، وضربنا لهم فيه الأمثال، وحذرناهم فيه، وأنذرناهم {لِيَذَّكَّرُواْ} يقول: ليتذكروا تلك الحجج عليهم، فيعقلوا خطأ ما هم عليه مقيمون، ويعتبروا بالعبر، فيتعظوا بها، وينيبوا من جهالتهم، فما يعتبرون بها، ولا يتذكرون بما يرد عليهم من الآيات والنذر». (تفسير الطبري (17/453).)

وقد احتوى هذا القرآن العظيم على كل ما في الكتب الإلهية السابقة، وزاد عليها، قال تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيم} [الأنعام: 115]، وتضمن كل ما يحتاج إليه الخلق من أصول الإيمان والشرائع والبراهين والحكم والمواعظ والأخبار، قال الحق جل شأنه: {إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9]، وقال تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ} [يوسف: 3]، وهو في غاية الفصاحة والبيان، قال الله تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ} [الزمر: 23]. وقال صلى الله عليه وسلم: «بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ». (أخرجه البخاري (2977)، ومسلم (523)، والترمذي (1553)، والنسائي (3087).)

ومن أعظم الدلالات على أن هذا القرآن كلام رب العالمين: أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمي لا يقرأ ولا يكتب، وأنزل عليه أعظم الكتب وأكملها فصاحة وبيانًا، قال الله تعالى: {وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لاَّرْتَابَ الْمُبْطِلُون} [العنكبوت: 48]، وقال تعالى: {فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُون} [الأعراف: 158].

ونؤمن أن القرآن آية باهرة في لفظه ومعناه، وتحدى الله الجن والإنس جميعًا أن يأتوا بمثله، أو بعشر سور من مثله، أو بسورة واحدة، فتبارك الله رب العالمين، قال الحق جل شأنه: {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء: 88]، وقال تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِين} [هود: 13]. وقال المولى عز شأنه: {وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِين} [البقرة: 23].

ونؤمن أن هذا القرآن قد تكفل الله بحفظه، ولم يجعل ذلك إلى خلقه، قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون} [الحجر: 9]. وقال تعالى: {لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيد} [فصلت: 42]، وجعله محكمًا كله من حيث الإحكام العامِّ، قال المولى عز شأنه: {الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِير} [هود: 1]، كما جعله متشابهًا كله، فقال الحق سبحانه: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ} [الزمر: 23]، وجعل منه المحكم والمتشابه، فقال تعالى: {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَاب} [آل عمران: 7]، وبين أن أهل الزيغ يتبعون المتشابه منه، والمؤمنون يؤمنون به كله محكمه ومتشابهه.

وجعله الله حاكمًا على جميع الكتب السابقة، ومهيمنًا عليها، قال المولى عز شأنه: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} [المائدة: 48]. وبين الحق أن هذا الكتاب يقص علينا أخبار الأمم الماضية، كما في قول الحق جل شأنه: {ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُواْ أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُون} [يوسف: 102]، ومثلها كثير، والقرآن يفْصلُ بين أهل الكتاب فيما اختلفوا فيه، قال المولى عز شأنه: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُون} [النمل:  76].

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه عَلَى مِنْبَرِهِ: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ، فَلَا أَعْرِفَنَّ مَا عَطَفْتُمُوهُ عَلَى أَهْوَائِكُمْ؛ فَإِنَّ الْإِسْلَامَ قَدْ خَضَعَتْ لَهُ رِقَابُ النَّاسِ، فَدَخَلُوهُ طَوْعًا وَكَرْهًا، وَقَدْ وُضِعَتْ لَكُمُ السُّنَنُ، وَلَمْ يُتْرَكْ لِأَحَدٍ مَقَالًا إِلَّا أَنْ يَكْفُرَ عَبْدٌ عَمْدًا عَيْنًا، فَاتَّبِعُوا وَلَا تَبْتَدِعُوا، فَقَدْ كُفِيتُمْ، اعْمَلُوا بِمُحْكَمِهِ، وَآمِنُوا بِمُتَشَابِهِهِ».   (أخرجه أحمد في الزهد (191)، والدارمي (3398)، وعبدالله بن أحمد في السنة (117)، والآجري في الشريعة (155) واللفظ له، وابن بطة في الإبانة (23).)

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه أيضًا: «الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ، فَلَا تَصْرِفُوهُ عَلَى آرَائِكُمْ». (أخرجه الآجري في الشريعة (156).)

وعَنْ فَرْوَةَ بْنِ نَوْفَلٍ الْأَشْجَعِيِّ قَالَ: «كَانَ خَبَّابُ بْنُ الْأَرَتِّ رضي الله عنه لِي جَارًا، فَقَالَ لِي يَوْمًا: يَا هَنَاهْ، تَقَرَّبْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مَا اسْتَطَعْتَ، وَاعْلَمْ أَنَّكَ لَسْتَ تَتَقَرَّبُ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ هُوَ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ كَلَامِهِ». (أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن (ص: 77)، وابن أبي شيبة (30722)، وأحمد في الزهد (192)، وعثمان بن سعيد الدارمي في الرد على الجهمية (160)، وعبدالله بن أحمد في السنة (111).)

ونؤمن أن هذا القرآن هو كلام الله، منزل غير مخلوق، وأنه محفوظ في الصدور، قال الحق جل شأنه: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلاَّ الظَّالِمُون} [العنكبوت: 49]، وسواء كان مكتوبًا في المصاحف، أو متلوًّا في المحاريب والمساجد، فلا يخرجه ذلك عن أن يكون كلام الله، قال الله جل في علاه: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُور} [فاطر: 29]، وقال الله تعالى: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيم * فِي كِتَابٍ مَّكْنُون   * لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُون  * تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِين} [الواقعة: 77-80].

والقرآن العظيم كلام الله، وكلامه صفة من صفاته، وما كان من صفات الله فلا يكون مخلوقًا؛ إذ لو كان مخلوقًا لجرى عليه ما يجري على سائر المحدثات من الفناء والزوال والتغير، قال تعالى: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} [النساء: 82]، وقال الحق جل في علاه: {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُون} [التوبة: 6].

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُعَوِّذُ الحَسَنَ وَالحُسَيْنَ، وَيَقُولُ: «إِنَّ أَبَاكُمَا كَانَ يُعَوِّذُ بِهَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ، مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ، وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ».   (أخرجه البخاري (3371)، وأبو داود (4737) وقال: هذا دليل على أن القرآن ليس بمخلوق، والترمذي (2060)، وابن ماجه (3525).)

وحكى إسماعيل بن أبي أويس إجماع أهل المدينة على أن القرآن غير مخلوق، فقال: «كان مالك وعلماء أهل بلدنا يقولون: القرآن من الله، وليس من الله شيء مخلوق، وعلماء أهل المدينة في وقت مالك بن أنس: محمد بن عبدالرحمن بن أبي ذئب، وعبدالعزيز بن أبي سلمة الماجشون، وأبو بكر بن أبي سبرة، وإبراهيم بن سعد الزهري، وسعيد بن عبدالرحمن الجمحي، وحاتم بن إسماعيل، وعبدالله بن عبدالعزيز العمري الزاهد، وأبو ضمرة أنس بن عياض، ومحمد بن إسماعيل بن أبي فديك». (شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (2/300).)

وقال شعيب بن حرب: قلت لأبي عبدالله سفيان بن سعيد الثوري:  «حدثني بحديث من السنة ينفعني الله عز وجل به، فإذا وقفت بين يدي الله تبارك وتعالى وسألني عنه، فقال لي: من أين أخذت هذا؟ قلت: يا رب حدثني بهذا الحديث سفيان الثوري، وأخذته عنه، فأنجو أنا، وتؤاخذ أنت. فقال: يا شعيب، هذا توكيد، وأي توكيد، اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم: القرآن كلام الله غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود». (شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (1/170).)

وقال الإمام ابن جرير الطبري: «حدثنا ابن عيينة قال: سمعت عمرو بن دينار يقول: أدركت مشايخنا منذ سبعين سنة يقولون: القرآن كلام الله، منه بدأ وإليه يعود». (صريح السنة، للطبري (ص: 19).)

وعن الحسن بن أيوب قال: «سمعت أحمد بن حنبل يقول عن الفريابي قال: سمعت الثوري - يعني سفيان - يقول: من قال: القرآن مخلوق، فهو زنديق». وعن عبدالله بن أحمد بن حنبل قال: سمعت أبي يقول: بلغني عن إبراهيم ابن سعد، وسعيد بن عبدالرحمن الجمحي، ووهب بن جرير، وأبي النضر هاشم بن القاسم، وسليمان بن حرب قالوا: القرآن ليس بمخلوق». (شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (2/277).)

وبوّب إمام الأئمة محمد بن خزيمة رحمه الله على هذه المسألة، فقال: «باب من الأدلة التي تدل على أن القرآن كلام الله الخالق، وقوله غير مخلوق». (التوحيد، لابن خزيمة (1/404).)

وقال أبو سعيد الدارمي: «ففي هذه الأحاديث بيان أن القرآن غير مخلوق؛ لأنه ليس شيء من المخلوقين من التفاوت في فضل ما بينهما كما بين الله وبين خلقه في الفضل؛ لأن فضل ما بين المخلوقين يستدرك، ولا يسـتدرك فضل الله على خلقه، ولا يحصيه أحد، وكذلك فضل كلامه على كلام المخلوقين، ولو كان كلامًا مخلوقًا لم يكن فضل ما بينه وبين سائر الكلام كفضل الله على خلقه، ولا كعشر عشر جزء من ألف ألف جزء ولا قريبًا ولا قريبًا، فافهموه؛ فإنه ليس كمثله شيء، فليس ككلامه كلام، ولن يؤتى بمثله أبدًا». (الرد على الجهمية، للدارمي (ص: 188).)

وعن أبي يوسف رحمه الله أنه قال: «أما القرآن فإنه كـلام الله تعالى، ووحيُه وتنْزيلُه، على هذا وجدتُ أبا حنيفة والأئمةَ، ولم يكن عندهم مخلوقًا، ولا خالقًا». (الاعتقاد، للنيسابوري (ص: 135).)