ونؤمن أن هذا القرآن العظيم هو كلام رب العالمين، نزل به الروح الأمين، وهذا أمر معلوم من دين المسلمين بالضرورة، والمسلمون مجمعون على ذلك، ولم يخالف في ذلك أحد منهم. وهذا الأمر -وهو كونه من رب العالمين- تدل عليه أدلة كثيرة لا يمكن حصرها، ولا الإحاطة بها، فمنها:
شهادة الله لهذا القرآن بأنه من الله، قال الحق - وقوله الحق: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ} [الأنعام: 19]، وقال تعالى: {لَّـكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ} [النساء: 166].
ومنها: شهادة الملائكة أن هذا القرآن تنزيل من حكيم حميد، قال تعالى: {لَّـكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلآئِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا} [النساء: 166].
ومنها: أنه موافق لما جاءت به الأنبياء عليهم السلام، كما في قوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا} [الإسراء: 23]. إلى قوله سبحانه وتعالى: {ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا} [الإسراء: 39].
وقال تعالى: {نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيل} [آل عمران: 3]. فكل هذه الأصول التي ورد التوكيد عليها هي التي دعا إليها المرسلون وأكَّدوا عليها.
ومنها: شهادة أهل الكتاب المعاصرين للرسول صلى الله عليه وسلم، وذكر الله هذه الشهادة في محكم تنزيله، فقال جل من قائل: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَكَفَرْتُم بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين} [الأحقاف: 10]. وفي «الصحيحين» من خبر ورقة بعدما أخبره الرسول صلى الله عليه وسلم بما رأى «فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي نَزَّلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى». (أخرجه البخاري (3392)، ومسلم (160).)
وفي خبر جعفر رضي الله عنه حينما سأله النجاشي: هل معك شيء مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم؟ فقرأ عليه، ثُمَّ قَالَ النَّجَاشِيُّ: «وَاللَّهِ إِنَّ هَذَا الْكَلَامَ وَالْكَلَامَ الَّذِي جَاءَ مُوسَى لَيَخْرُجَانِ مِنْ مِشْكَاةٍ وَاحِدَةٍ». (أخرجه إسحاق بن راهويه (1835)، وأحمد (22498)، وابن خزيمة (2260)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (5598)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 115)، وفي دلائل النبوة (194).)
ومنها: شهادة الجن بأن هذا القرآن تنزيل من عند الله، وأنه موافق لما جاء به موسى عليه السلام : {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِين * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيم} [الأحقاف: 29، 30]. وقال تعالى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا} [الجن: 1، 2].
ومنها: شهادة كفار قريش أن هذا القرآن ليس من كلام البشر، وأنه مخالف لكلامهم، فعن ابن عباس رضي الله عنهما: «أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ، فَكَأَنَّهُ رَقَّ لَهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا جَهْلٍ، فَأَتَاهُ، فَقَالَ: يَا عَمُّ، إِنَّ قَوْمَكَ يَرَوْنَ أَنْ يَجْمَعُوا لَكَ مَالًا. قَالَ: لِم؟ قَالَ: لِيُعْطُوكَهُ فَإِنَّكَ أَتَيْتَ مُحَمَّدًا لِتُعْرِضَ لِمَا قِبَلَهُ، قَالَ: قَدْ عَلِمَتْ قُرَيْشٌ أَنِّي مِنْ أَكْثَرِهَا مَالًا. قَالَ: فَقُلْ فِيهِ قَوْلًا يَبْلُغُ قَوْمَكَ أَنَّكَ مُنْكِرٌ لَهُ، أَوْ أَنَّكَ كَارِهٌ لَهُ قَالَ: وَمَاذَا أَقُولُ؟! فَوَاللَّهِ مَا فِيكُمْ رَجُلٌ أَعْلَمَ بِالْأَشْعَارِ مِنِّي، وَلَا أَعْلَمَ بِرَجَزٍ وَلَا بِقَصِيدَةٍ مِنِّي وَلَا بِأَشْعَارِ الْجِنِّ، وَاللَّهِ مَا يُشْبِهُ الَّذِي يَقُولُ شَيْئًا مِنْ هَذَا، وَوَاللَّهِ إِنَّ لِقَوْلِهِ الَّذِي يَقُولُ حلَاوَةً، وَإِنَّ عَلَيْهِ لَطَلَاوَةً، وَإِنَّهُ لَمُثْمِرٌ أَعْلَاهُ مُغْدِقٌ أَسْفَلُهُ، وَإِنَّهُ لَيَعْلُو وَمَا يُعْلَى، وَإِنَّهُ لَيَحْطِمُ مَا تَحْتَهُ». (أخرجه الحاكم (3872)، والبيهقي في الشعب (133)، وفي دلائل النبوة (2/ 198).)
ومنها: أن القرآن العظيم موافق لما يريده الله سبحانه وتعالى من الخلق، قال المولى عز شأنه: {وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون} [الأنعام: 153].
ومنها: أن ما تضمنه القرآن من معارفَ إلهيةٍ، وأحكامٍ شرعيةٍ، وآدابٍ مرعيـَّةٍ كله مما استقر في الفطر، قال الحق جـل في عـلاه: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُون} [الروم: 30].
ومنها: أن القرآن العظيم موافق لما فيه صلاح الخلق؛ ذلك لأن الله هو الخالق، فيعلم ما يحتاج إليه العباد، ويعلم ما يصلح أديانهم وأبدانهم وأموالهم وديارهم، قال تعالى: {أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِير} [الملك: 14]. وما أمر إلا وفي أمره غاية المصلحة، ولا نهى إلا وفي نهيه غاية الاحتياط والحماية.
ومنها أن القرآن الكريم موافق لما تقتضيه العقول؛ ولذا لما ذكر الله أصول المحرمات في «سورة الأنعام» ختمها بقوله: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون}، قال تعالى: {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون} [الأنعام: 151].
وخطاب القرآن لأولي الألباب أكثر من أن يحصر، كما أن الله كثيرًا ما يطلب من العباد التفكُّر والنظر والاعتبار فيما يأمر به، أو ينهى عنه.
ومنها: أن الأدلة التي جاء بها القرآن الكريم أدلة في غاية البيان والفصاحة والقـوة والقرب واليسـر، يفهمها كل أحد، وهذا لا يعرف في كلام أحد من البشر، كما في قوله تعالى: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِين} [لقمان: 11]، وفي قوله سبحانه وتعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُون} [الأنبياء: 22]، كما أن أدلته لا يمكن -بحال من الأحوال- أن تدل على باطل، ومن قوة أدلته أنه لا يمكن نقضها أو ردها، قال تعالى: {وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء: 81].
ومنها: أن القرآن العظيم -وهو كلام رب العالمين- ميسَّر لكل أحد، قال تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِر} [القمر: 17]. ولم يكن من معهود البشر أن يكتب الواحد منهم كتابًا فيكون ميسرًا لكل أحد، ومخاطبًا به كل أحد، فهذا لا يكون إلا لهذا الكتاب الكريم.
ومنها: أن القرآن العظيم محفوظ من التغيُّر والتبديل، قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون} [الحجر: 9]. وكتب الله له البقاء والخلود إلى قيام الساعة، فهذا البقاء والخلود وعدم التغيّر يدل على أنه تنزيل من حكيم حميد، قال الحق: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} [النساء: 82].
ومع بقائه وخلوده وحفظه ومع تجدُّد العلوم والفنون والمكتشفات، لم نجد أن علمًا تضمن خلاف ما جاء به القرآن، بل العلوم توافق القرآن فيما ورد في القرآن ذكره، كخلق السموات، وخلق الإنسان وغير ذلك.
ومنها: أن القرآن هادٍ للتي هي أقوم، شامل لكل خير، فهو شامل للخبر عن الخالق والمخلوق، والدنيا والآخرة، والجن والإنس، والأوامر والنواهي والآداب والواجبات، والجنة والنار، فهو شامل للإيمان والعمل والجزاء، قال تعالى: {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ} [الأنعام: 38]، وقال تعالى: {إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9].
ومنها: أن القرآن الكريم شفاء للأدواء، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِين} [يونس: 57]. ولا يعرف في كلام البشر كلام يكون فيه الشفاء من أدواء القلوب والأبدان، كما في هذا القرآن العظيم الذي هو كلام رب العالمين.
ومنها: أن الله تحدى الإنس والجن أن يأتوا بمثلـه، أو بمثل سـورة منه، قال تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِين} [يونس: 38]، وبين أنه لا ريب فيه، فقال الحق سبحانه وتعالى: {وَمَا كَانَ هَـذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِين} [يونس: 37].
ومنها: أن هذا القرآن يقص علينا أخبار الأمم الماضية كما وقعت، ولم تكن أخبارهم منتشرة بين أهل مكة، فقصها الله علينا، كما في قوله تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِين} [يوسف: 3]. وهذا شاهد على أن هذا التنزيل من حكيم حميد.
ومنها: أن هذا القرآن العظيم الذي تضمن غاية البيان والفصاحة والأخبار الغيبية والشرائع الربانية جاء به رسول أمي لا يقرأ ولا يكتب، قال المولى جل شأنه: {وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لاَّرْتَابَ الْمُبْطِلُون} [العنكبوت: 48]، وقال تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ} [الأعراف: 157].
ومنها: أن السورة الواحدة من القرآن الكريم تنزل في أوقات متباعدة وفي أماكن مختلفة، ومع ذلك تقرأ السورة كأنما أنزلت مرة واحدة، وجرت العادة أن البشر تتفاوت ملكاتهم، وتختلف أساليبهم إذا صنفوا الكتب في أوقات متباعدة.
ومنها: أن الرسـول صلى الله عليه وسلم قد آتاه الله السنة كما آتاه القرآن، قال صلى الله عليه وسلم: «أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ، وَمِثْلَهُ مَعَهُ». (أخرجه أبو داود (4604)، والترمذي (2664)، وابن أبي شيبة في المصنف (24816) وفي المسند (927)، وأحمد (17174).)
ومنها: أن القرآن تضمن توجيه النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما ينبغي أن يكون، أو ما يجب أن يفعله، كما في قوله تعالى: {لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيم} [الأنفال: 68]، وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيم} [التحريم: 1]، وقوله تعالى: {عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَن جَاءهُ الأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى * أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى * وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى} [عبس: ١-7]، وقوله تعالى: {وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلا * إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا} [الإسراء: 74، 75]، ولو كان القرآن من عند الرسول صلى الله عليه وسلم لما سجَّل هذا على نفسه؛ فلما ورد فيه مثل هذا التوجيه الكريم للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم؛ دل قطعًا على أنه ليس من عنده، بل هو من عند العليم الحكيم.