الإيمان بالرسل عليهم السلام هو الركن الرابع من أركان الإيمان، قال المولى جل شأنه: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ} [البقرة: 285]، وقال الحق سبحانه وتعالى: {لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} [البقرة: 177]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا بَارِزًا لِلنَّاسِ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا الْإِيمَانُ؟ قَالَ: «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكِتَابِهِ، وَلِقَائِهِ، وَرُسُلِهِ، وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ الْآخِرِ». (أخرجه البخاري (4777)، ومسلم (9)، وابن ماجه (64).)
ونؤمن أن أساس دعوة الرسل عليهم السلام هو العلم بالله تعالى وبأسمائه وصفاته وأفعاله، وأنهم كلهم بُعِثوا بالتوحيد، ودَعَوا إلى عبادة الله وحده وترك عبادة ما سواه، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُون} [الأنبياء: 25]، وكل نبي قال لقومه: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُون} [الأعراف: 65]. فالأنبياء والمرسلون أكمل الناس توحيدًا وإيمانًا، وهم أعلم الخلق بالخالق سبحانه وتعالى وما يجب له، وما يمتنع عليه سبحانه وتعالى.
وكل نبي دعا قومه إلى أصلين عظيمين، هما: عبادة الله وحده، والإيمان باليوم الآخر وما أعدّ الله فيه من النعيم لأوليائه، والعذاب لأعدائه، قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيم} [الأعراف: 59]، وقال عز شأنه: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّيَ أَرَاكُم بِخَيْرٍ وَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيط} [هود: 84]، وقال الحق سبحانه وتعالى: {وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتْ النُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيم} [الأحقاف: 21].
ونؤمن أن الأنبياء عليهم السلام متفقون في الأصول الكبرى التي دعوا إليها، فكلهم دعا إلى الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والإيمان بالقدر خيره وشره، وكلهم دعوا إلى أصول العبادات، كالصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، وأصول الأخلاق المحمودة، ونهوا عن أصول الأخلاق المذمومة، قال تعالى: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى: 13]. فالأنبياء عليهم السلام متفقون في الأصول، أما الشرائع التي دعوا إليها فمختلفـة في أحكامها وتفاصيلها، قـال المولى جـل شأنه: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائـدة: 48].
ونؤمن أنه يجب الإيمان بجميع الأنبياء، وتصديقهم في كل ما أخبروا به من الغيب، وطاعتهم فيما أمروا به، والانتهاء عن كل ما نهوا عنه، ومحبتهم وتوقيرهم والاقتداء بهم، والشهادة لهم بأنهم بلغوا الرسالة، وأدوا الأمانة، ونصحوا لله ولعباده، وجاهدوا في الله حق جهاده، ويجب على كل أمة العمل بشريعة الرسول الذي أرسل إليها، ويجب على هذه الأمة -أمة محمد صلى الله عليه وسلم- من الجن والإنس، العملُ بشريعة خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه مرسل إلى جميع الثقلين.
وكل الأنبياء والرسل عليهم السلام جاؤوا لإخراج الناس من ظلمات الكفر والشرك والجهل، وإن كانوا في عزٍّ من الدنيا وسلطان وقوة وبأس وحرث ومصانع، قال تعالى في موسى عليه السلام : {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُور} [إبراهيم: 5]، وقال تعالى: {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُون * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُون * وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِين} [الشعراء: 128-130]، وقال تعالى: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُون} [الروم: 9].
ونؤمن أن الله أرسلهم مبشرين ومنذرين؛ لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، قال تعالى: {رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء: 165].
ونؤمن أن الله قد أرسل في كل أمة رسولًا، قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ} [النحل: 36]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الأَنْبِيَاءُ، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي»، (أخرجه البخاري (3455)، ومسلم (1842)، وابن ماجه (2871).) بل قد أخبرنا الله تعالى أنه أرسل إلى قرية من القرى ثلاثة أنبياء في وقت واحد، قال تعالى: {إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُون} [يس: 14].
فمن عرفنا اسمه منهم وجب الإيمان به، ومن لم نعرف اسمه منهم نؤمن به إجمالًا، فيجب الإيمان بجميع الأنبياء والمرسلين عليهم السلام، قال تعالى: {وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164]، وقال تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِير} [البقرة: 285]، وقال تعالى: {قُلْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُون} [آل عمران: 84].
ونؤمن أن الله يرسل رسله إلى مَنْ شاء مِنْ عباده وَفْق ما تقتضيه حكمته سبحانه وتعالى، قال المولى عز شأنه: {وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا} [الفرقان: 51]، وقال المولى عز شأنه: {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا كُلَّ مَا جَاء أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُم بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِّقَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُون} [المؤمنون: 44]، فلا معقب لحكمه، يفعل ما يشاء ويختار، قال الله تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُون} [القصص: 68].
ومن كفر بنبي واحد؛ فقد كفر بجميع الأنبياء عليهم السلام؛ ولذا قال تعالى: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِين} [الشعراء: 105]. وهذه الآية كقوله تعالى: {كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيد} [ق: 14].
ونؤمن أن النبوة مِنَّة إلهية، ورحمة ربانية يهبها الله لمن شاء من عباده، فالله يصطفي من الملائكة رسلًا ومن الناس، قال تعالى: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِير} [الحج: 75]، وقال المولى عـز شأنه: {اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: 124]. فليست النبوة كسبًا، ولا ينالها العبد بالاجتهاد بالطاعة، ولا بتزكية النفس والمجاهدة وتطهير القلب وتنقية السلوك وتهذيبه.
ونؤمن أن الأنبياء والرسل عليهم السلام متفاضلون فيما بينهم، قال تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ} [البقرة: 253]، وأن أفضل الأنبياء هم أولو العزم، وهم المذكورون في قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا} [الأحزاب: 7]، وأشار الله إليهم في قوله تعالى: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف: 35]. وأفضل أولي العزم الخليلان: إبراهيم ومحمد عليهما السلام، قال الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلا} [النساء: 125]. وعن جندب رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النبي صلى الله عليه وسلم قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِخَمْسٍ، وَهُوَ يَقُولُ: «إِنِّي أَبْرَأُ إِلَى اللهِ أَنْ يَكُونَ لِي مِنْكُمْ خَلِيلٌ، فَإِنَّ الله تَعَالَى قَدِ اتَّخَذَنِي خَلِيلًا، كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا». (أخرجه مسلم (532).)
ونشهد أن نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم أفضل الرسل والأنبياء، قال صلى الله عليه وسلم: «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة». (أخرجه مسلم (2278)، وأبو داود (4673).)
ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التفضيل بين الأنبياء إذا كان على سبيل الحمية والعصبية أو التنقُّص، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: اسْتَبَّ رَجُلَانِ: رَجُلٌ مِنَ المسلِمِينَ، وَرَجُلٌ مِنَ اليَهُودِ، قَالَ المسلِمُ: وَالَّذِي اصْطَفَى مُحَمَّدًا عَلَى العَالَمِينَ، فَقَالَ اليَهُودِيُّ: وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى العَالَمِينَ، فَرَفَعَ المسلِمُ يَدَهُ عِنْدَ ذَلِكَ، فَلَطَمَ وَجْهَ اليَهُودِيِّ، فَذَهَبَ اليَهُودِيُّ إِلَى النَّبِيّ ِصلى الله عليه وسلم، فَأَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ، وَأَمْرِ المسلِمِ، فَدَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم المسلِمَ، فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ، فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَا تُخَيِّرُونِي عَلَى مُوسَى؛ فَإِنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَأَصْعَقُ مَعَهُمْ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ، فَإِذَا مُوسَى بَاطِشٌ جَانِبَ العَرْشِ، فَلَا أَدْرِي أَكَانَ فِيمَنْ صَعِقَ، فَأَفَاقَ قَبْلِي أَوْ كَانَ مِمَّنِ اسْتَثْنَى اللَّهُ؟»، (أخرجه البخاري (2411)، ومسلم (2373)، وأبو داود (4671)، والترمذي (3245)، وابن ماجه (4274).) وفي لفظ: فَغَضِبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى عُرِفَ الْغَضَبُ فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ قَالَ: «لَا تُفَضِّلُوا بَيْنَ أَنْبِيَاءِ اللهِ». (أخرجه مسلم (2373).)
وكما اتخـذ الله إبراهيم ومحمدًا عليهما السلام خليلين، فقد اختار الله موسى عليه السلام واصطفاه على الناس برسالاته وبتكليمه، وإن كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قد نال شرف مرتبة الخُلّة، فقد كلّمه ربه من وراء حجاب ليلة أسري به صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} [النجم: 10]، فيكون نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قد جمع بين شرف الخلة، وشرف التكليم.
ونؤمن أن الأنبياء أفضل البشر، ولا يبلغ أحد مرتبة النبي، لا وليٌّ، ولا غيره، ولا يجوز تفضيل أحد من البشر على أحد من الأنبياء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَكُونَ خَيْرًا مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى». (أخرجه البخاري (4804).)
ونؤمن أن الله لم يرسل إلا رجالًا، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ} [الأنبياء: 7].
ونعلم أن الرسل والأنبياء عليهم السلام صفوة الخلق، قال تعالى: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِير} [الحج: 75]. وهم أكمل البشر في أديانهم وعقولهم وأخلاقهم، قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ} [الكهف: 110]. فهم بشر مثل بقية البشر، لكنهم يوحى إليهم، وهم معصومون فيما يبلغونه عن أمر الله، قال تعالى مخبرًا عن نبيه وخليله محمد صلى الله عليه وسلم: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم: 3-5].
وإذا اجتهـد النبي فيما لم يوح إليه فيه بشيء، ولم يُصِبْ؛ فإن الله لا يقرُّه على اجتهاده، بل يتنزل عليه الوحي لتسديده، كما في قوله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيم} [الأنفال: 67]. وقوله جل ثناؤه: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيم} [التحريم: 1].
ومع أن لهم هذه المنزلة العالية والدرجة الرفيعة والمقام المحمود في الدنيا والآخرة، فإنهم لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًّا، قال تعالى: {قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُون} [يونس: 49].
وإذا كانوا لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًّا فلا يملكون لغيرهم من باب الأولى، قال تعالى في نبيه وخليله محمد صلى الله عليه وسلم: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُون} [آل عمران: 128]، وقال في المسيح عليه السلام : {قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [المائدة: 17].
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم لعمته وابنته فاطمة رضي الله عنها: «يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ -أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا- اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ، لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ المطَّلِبِ لَا أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا». (أخرجه البخاري (2753)، ومسلم (206)، والترمذي (3185)، والنسائي (3646).) وإذا كانوا لا يملكون لأنفسهم ولا لغيرهم -حال حياتهم- نفعًا ولا ضرًّا، فهم إذًا لا يملكون لغيرهم نفعًا ولا ضرًا بعد وفاتهم من باب الأولى.
ونؤمن أنهم لا يعلمون الغيب إلا على قدر ما أطلعهم الله عليه، وأذن لهم فيه، قال تعالى: {قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ} [الأنعام: 50]، وقال تعالى: {قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُون} [الأعراف: 188]، وقال تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا} [الجن: 26، 27].
والأنبياء والمرسلون عليهم السلام يعبدون الله خوفًا وطمعًا، قال تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِين} [الأنبياء: 90]، ويبتغون إليه الوسيلة، ويتقربون إليه سبحانه قال تعالى: {أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} [الإسراء: 57].
والأنبياء والمرسلون عليهم السلام يتعرضون لما يتعرض له البشر من البلاء والمرض والموت، قال تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَيِّتُونَ} [الزمر: 30]، وقال تعالى مخبرًا عن أيوب أنه مسَّه الضر: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِين} [الأنبياء: 83]، ولهم أزواج وذرية، قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} [الرعد: 38]. ويأكلون الطعام ويمشون في الأسواق، قال تعالى: {وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ} [الفرقان: 20]، ويصيبهم الحزن، كما قال تعالى مخبرًا عن يعقوب عليه السلام : {وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيم} [يوسف: 84]. وفي «الصحيحين» في خبر وفاة ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فَلَمَّا قَعَدَ رُفِعَ إِلَيْهِ، فَأَقْعَدَهُ فِي حَجْرِهِ، وَنَفْسُ الصَّبِيِّ جُئِّثُ، فَفَاضَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ سَعْدٌ: مَا هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «هَذِهِ رَحْمَةٌ يَضَعُهَا اللَّهُ فِي قُلُوبِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ». (أخرجه البخاري (6655)، ومسلم (923)، وأبو داود (3125)، والنسائي (1868)، وابن ماجه (1588).) ( جئث؛ أي فزع، وجئث فهو مجئوث، أي: مذعور. فتح الباري (722/8)، والنهاية في غريب الحديث (1/ 232).)
ونعلم أنهم قد نصحوا للخلق، وأدوا الأمانة، وبلغوا رسالات ربهم، ولا يضرهم أن بعض الأتباع لم يستجيبوا، ولا أن الملأ استكبروا عليهم قال صلى الله عليه وسلم: «عُرِضَتْ عَلَيَّ الْأُمَمُ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ الرُّهَيْطُ، وَالنَّبِيَّ وَمَعَهُ الرَّجُلُ وَالرَّجُلَانِ، وَالنَّبِيَّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ». (أخرجه البخاري (5705)، ومسلم (220)، والترمذي (2446).)
ونؤمن أن الله تعالى قد رفع المسيح عليه السلام حيًّا لما أراد قومه قتله، قال تعالى: {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُون * رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلَتْ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِين * وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِين} [آل عمران: 52-54]، وقال تعالى: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلاَ تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيم} [الزخرف: 61]، وعن ابن عباس رضي الله عنهما، ومجاهد، وقتادة: أن المراد بها: نزول عيسى ابن مريم عليه السلام . (أخرجه الطبري في التفسير (20/ 631 - 633).)
وقال جل ذكره: {وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} [النساء: 159]. قال ابن عباس رضي الله عنهما: قوله: {قَبْلَ مَوْتِهِ} أي: قبل موت عيسى ابن مريم». (تفسير الطبري (9/380).)
ونؤمن أنه سينزل في آخر الزمان حكمًا عدلًا، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الخِنْزِيرَ، وَيَضَعَ الجِزْيَةَ، وَيَفِيضَ المالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ». (أخرجه البخاري (2222)، ومسلم (155)، وأبو داود (4324)، والترمذي (2233)، وابن ماجه (4078).)
وفي خبر نزول المسيح عليه السلام : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللهُ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ، فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ، بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ، (أي في شقتين، أو حلتين، وقيل الثوب المهرود: الذي صُبغ بالورس ثم بالزعفران. النهاية في غريب الحديث (5/ 258).) وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ، إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ، وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ...». (أخرجه مسلم (2937)، وأبو داود (4321)، والترمذي (2240)، وابن ماجه (4075).)