ونعلم أن الله قد آتى كل نبي من الآيات والحجج ما على مثلها يؤمن البشر، فعن أبي هريرة رضي الله عنه: قال صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنَ الأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلَّا أُعْطِيَ مِنَ الآيَاتِ مَا مِثْلُهُ أُومِنَ، أَوْ آمَنَ عَلَيْهِ البَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنِّي أَكْثَرُهُمْ تَابِعًا يَوْمَ القِيَامَةِ». (أخرجه البخاري (7274)، ومسلم (152).)
ونؤمن أن الله ما بعث نبيًّا إلا ومعه آية تدل على صدقه، علمناها أو لم نعلمها، وقد ذكر الله لنا جملة منها في القرآن الكريم، ونعلم -أيضًا- أن هناك آياتٍ كثيرةً أيد الله بها رسله السابقين، لم يذكرها الله لنا، كما في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيم} [المائدة: 10]، وقوله تعالى: {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللّهِ فَأَخَذَهُمُ اللّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَاب} [آل عمران: 11]. وتارة يذكر الله الآيات البينات، ويذكر السلطان، كما في قوله جل ثناؤه: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِين} [هود: 96]، وقوله تعالى: {قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا} [القصص: 35]، قال عكرمة: «ما كان في القرآن من سلطان فهو: حجة». (تفسير الطبري (8/30) و (9/337).)
ونعلم أن الآياتِ والحجج التي أيَّد الله بها رسله وأنبياءه عليهم السلام كثيرة جدًّا، وأعظم الأدلة الدالة على صدقهم هي ما جاؤوا به من الوحي، ووحي الله لأنبيائه ورسله عليهم السلام: إما أن يكون وحيًا بغير واسطة، كالرؤيا كقوله سبحانه وتعالى مخبرًا عن إبراهيم عليه السلام أنه قال: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} [الصافات: 102]، أو أن يسمع الرسول كلام الله جل وعلا مباشرة ولكن من وراء حجاب، كما في قوله جل ثناؤه: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ} [الشورى: 51]، وكما في تكليم الله لموسى عليه السلام كما في قوله جل شأنه: {قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِين} [الأعراف: 144]، أو يكلمه الملك، كما في قوله تعالى: {أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء} [الشورى: 51].
ونعلم أن من أعظم الأدلة الدالة على صدقهم هي ما يدعون إليه من التوحيد المستقر في الفِطَر، الذي تشهد العقول على حسنه، وما جاؤوا به من العلم النافع، والعمل الصالح، والهدى ودين الحق والميزان، فعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ، أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَخْبَرَهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سُفْيَانَ: «أَنَّ هِرَقْلَ قَالَ لَهُ: سَأَلْتُكَ مَاذَا يَأْمُرُكُمْ؟ فَزَعَمْتَ: أَنَّهُ أَمَرَكُمْ بِالصَّلَاةِ، وَالصِّدْقِ، وَالعَفَافِ، وَالوَفَاءِ بِالعَهْدِ، وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ، قَالَ: وَهَذِهِ صِفَةُ نَبِيٍّ». (أخرجه البخاري (2681)، ومسلم (1773)، والترمذي (2717).)
وقال النجاشي لما تلا عليه جعفر رضي الله عنه صدر «سورة مريم»: «إِنَّ هَذَا الْكَلَامَ وَالْكَلَامَ الَّذِي جَاءَ مُوسَى لَيَخْرُجَانِ مِنْ مِشْكَاةٍ وَاحِدَةٍ». (أخرجه إسحاق بن راهويه (1835)، وأحمد (22498)، وابن خزيمة (2260)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (5598)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 115) وفي دلائل النبوة (194).)
ومنها شهادة الله لرسله أنهم على الحق، وأن ما جاؤوا به هو الحق، قال الله تعالى: {لَّـكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلآئِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا} [النساء: 166]، وقال تعالى: {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَاب} [الرعد: 43].
ومن أعظم آياتهم: الوحي الذي يتنزل عليهم من الله، وأعظم الوحي هـو القرآن العظيم آية نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. وهذا الوحي لا يمكن أن يأتي البشر بمثله؛ لأنه كلام الله ووحيه، ولما فيه من الأنباء الغيبية، ولما فيه من الهدى والنور والرحمة والحكمة.
ومن آياتهم البينات: البراهين العقلية التي يمد الله بها رسله وأنبياءه عليهم السلام، فتبهت الكافر وتزهق باطله كما في قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين} [البقرة: 258]، وقوله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلاَّ رَبَّ الْعَالَمِين * الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِين * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِين * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِين * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِين * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّين} [الشعراء: 77-82]، وقوله عن موسى عليه السلام أنه قال لفرعون: {رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه: 50]، ومنها قوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُون} [الأنبياء: 22]، وقوله جل ثناؤه: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُون} [المؤمنون: 91]. وهذه الأدلة كثيرة جدًّا ذكرنا بعضها في باب الربوبية والألوهية، ومن أجل آياتهم إخبارهم بالغيوب التي يأذن الله لهم في الإخبار عنها.
ومن آياتهم الباهرة: نجاة الأنبياء السابقين عليهم السلام ونجاة أتباعهم من مكر أعدائهم، وهلاك المعاندين المستكبرين، وتذكير الله للمدعوين بما فعل بالسابقين، وأن سنة الله ماضية، قال الله تعالى في أول سورة الأنبياء: {ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنجَيْنَاهُمْ وَمَن نَّشَاء وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِين} [الأنبياء: 9]، وقال في خاتمتها: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُون} [الأنبياء: 105]، وقال تعالى: {كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُّقْتَدِر * أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَئِكُمْ أَمْ لَكُم بَرَاءةٌ فِي الزُّبُر} [القمر: 42-43]. وفي «سورة الشعراء» كلما ذكر الله نجاة الأنبياء السابقين عليهم السلام وهلاك أعدائهم يعقب الحق على كل خبر من هذه الأخبار بقوله سبحانه وتعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِين} [الشعراء: 67]. وقال الحق جل في علاه: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُود} [فصلت: 13]، وقال المولى عز شأنه: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُون} [الروم: 9].
ومن آياتهم الدالة على نبوتهم: كمال خصالهم، وحُسْن أخلاقهم وأفعالهم وسيرتهم، وصدق أقوالهم مما يمتنع معه عليهم الكذب، قال الله مخبرًا عن قوم صالح عليه السلام أنهم قالوا: {يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَـذَا أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيب} [هود: 62]، وقال تعالى: {قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء إِنَّكَ لأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيد} [هود: 87].
وقال هرقل بعدما سأل أبا سفيان عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: «وَسَأَلْتُكَ، هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا، فَقَدْ أَعْرِفُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَذَرَ الكَذِبَ عَلَى النَّاسِ، وَيَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ». (أخرجه البخاري (7)، ومسلم (1773).)
ومنها: التواتر العظيم في نقل آيات الأنبياء وما جاؤوا به من العلم والهدى ودين الحق مما يستحيل معه أن يتواطؤوا على نقل الكذب.
ومنها: أنهم لا يطلبون أجرًا على رسالاتهم، ولا يبتغون ملكًا، قال تعالى مخبرًا عن كثير من أنبيائهم أن كل واحد منهم قال لقومه: {يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلاَ تَعْقِلُون} [هود: 51].
ومنها: أنه لا يوجد مَنْ قدح في نبوة الأنبياء إلا جاهلٌ لم ينظر فيما جاؤوا به من الدين والعلم والهدى، أو معاند مستكبر، قال تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل: 14]، وقال الحق جل في علاه: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُون} [الأنعام: 33].
ومنها: ما يكون برهانًا حسيًّا تراه العيون، وتسلّم له العقول، كغرق قوم نوح، وناقة صالح، وتحدي هود قومه أن يكيدوه جميعًا، ونجاة إبراهيم من النار، وآيات موسى، ومنها: العصا، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، والطوفان، وغرق فرعون وقومه، وآيات داود عليه السلام كتسبيح الجبال، وإلانة الحديد، وآيات سليمان عليه السلام كتسخير الريح والجن له، ومعرفته منطق الطير، وآيات المسيح عليه السلام كشفاء الأبرص والأكمه والأعمى وإحياء الموتى، وأنه كان يعمل من الطين كهيئة الطير، فينفخ فيه بإذن الله فيكون طيرًا، وآيات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وهي كثيرة لا تحصى إلا بالكلفة، كانشقاق القمر، والإسراء والمعراج، وتكثير الطعام، وحديث الدواب، وتسبيح الحصى، وحنين الجذع، ونصر الله له على أعدائه.
ومنها: حال النبي الداعي إلى الحق؛ فإن الناس يميزون بين الداعي إلى الحق الصادق في قوله، والدَّعيِّ الكاذب في قوله؛ ولذا قال عبدالله بن سلام: «لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم المدينَةَ انْجَفَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ، وَقِيلَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَجِئْتُ فِي النَّاسِ لِأَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا اسْتَبَنْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ»، (أخرجه الترمذي (2485)، وابن ماجه (1334)، وابن أبي شيبة (25898)، وأحمد (23784)، وعبد بن حميد (496).) إلى غير ذلك من الآيات.
ولم يبق من آيات الأنبياء شيء عدا القرآن العظيم، وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فهما باقيان؛ لأنهما وحي تكفل الله بحفظه، قال المولى عز شـأنه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون} [الحجر: 9]، وفيهما أعظم الدلائل والبراهين على صدق الرسالة، وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم.
ونؤمن أن الله يؤيد رسله عليهم السلام بما تقتضيه حكمته من الآيات والبراهين الكونية والشرعية، فيهدي الله من شاء بفضله، ويضل من شاء بعدله، ولكن المعاند لا تزيده الآيات إلا عنادًا واستكبارًا، قال الحق: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَـذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُواْ وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُورًا} [الإسراء: 41]، وقال الحق جل شأنه: {وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا} [المائدة: 68]، قال تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الأُمَمِ فَلَمَّا جَاءهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُورًا} [فاطر: 42]، وقال تعالى: {وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءتْ لاَ يُؤْمِنُون} [الأنعام: 109]، وقال تعالى: {وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59].
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «سَأَلَ أَهْلُ مَكَّةَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، أَنْ يَجْعَلَ لَهُمُ الصَّفَا ذَهَبًا، وَأَنْ يُنَحِّيَ الْجِبَالَ عَنْهُمْ، فَيَزْرَعُوا، فَقِيلَ لَهُ: إِنْ شِئْتَ أَنْ تَسْتَأْنِيَ بِهِمْ، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ نُؤْتِيَهُمُ الَّذِي سَأَلُوا، فَإِنْ كَفَرُوا أُهْلِكُوا كَمَا أَهْلَكْتُ مَنْ قَبْلَهُمْ، قَالَ: لَا، بَلْ أَسْتَأْنِي بِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل هَذِهِ الْآيَةَ: {وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَن كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ ۚ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً} [الإسراء: 59]». (أخرجـه أحمد (2333)، والبزار (5036)، والنسائي في الكبرى (11226)، والحاكم (3437)، والبيهقي في دلائل النبوة (605).)
ونعلم أن الله لو أراد لهدى الناس جميعًا، قال تعالى: {وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلكِن يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء} [النحل: 93]. وقال الحق جل في علاه: {وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِين} [الأنعام: 35].
ونؤمن أن دلائل الأنبياء والآيات التي جاؤوا بها والبراهين التي أمدَّهم الله بها يستحيل أن يأتي بها مدع للنبوة، أو ساحر أو كاذب؛ لأن الله قضى ألا ينصر المبطل بدليل صحيح، ولا يصدّق الكاذب ببرهان صادق؛ لأنه الحكيم في شـرعه وأمره، وحكمة الله وسنته الجارية تمنع ذلك، قال المولى عز شأنه: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيل * لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِين * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِين} [الحاقة: 44-46].