ونؤمن أن العرش خلق عظيم من خلق الله، بل هو من أعظم مخلوقاتـه، وإذا وصفه العظيم بأنه عظيم فهو - حقًّا - عظيمٌ، فقال سبحانه وتعالى: {اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيم} [النمل: 26]. ووصفه بأنه مجيد، فقال المولى عز شأنه: {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيد} [البروج: 15]، وهو مع عظمته مخلوق مربوب، قال الله تعالى: {قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيم} [المؤمنون: 86]. وقال صلى الله عليه وسلم: «...وَخَلَقَ عَرْشَهُ عَلَى الماء». (أخرجه الترمذي (3109)، وابن ماجه (182)، والطيالسي (1189)، وأحمد (16188) وابن أبي عاصم في السنة (625).) وله قوائمُ؛ قال صلى الله عليه وسلم: «النَّاسُ يَصْعَقُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ، فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ العَرْشِ». (أخرجه البخاري (3398)، ومسلم (2374)، وأبو داود (4668).)
والعرش فوق السموات، والله فوق العرش، قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ عَرْشَهُ عَلَى سَمَوَاتِهِ لَهَكَذَا - وَقَالَ بِإِصْبُعِهِ مِثْلَ الْقُبَّةِ عَلَيْهِ - وَإِنَّهُ لَيَئِطُّ بِهِ أَطِيطَ الرَّحْلِ بِالرَّاكِبِ». (أخرجه أبو داود (4726)، وعثمان بن سعيد الدارمي في الرد على الجهمية (24)، وابن أبي عاصم في السنة (587)، وابن خزيمة في التوحيد (147).) وفي رواية: «إِنَّ اللهَ فَوْقَ عَرْشِهِ، وَعَرْشُهُ فَوْقَ سَمَوَاتِهِ». (أخرجه أبو داود (4726)، وعثمان بن سعيد الدارمي في الرد على الجهمية (24)، وابن أبي عاصم في السنة (588)، وابن خزيمة في التوحيد (147).)
ونؤمن أن تحت العرش من الكنوز الربانية ما لا يقدر قدره إلا الله، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «وَأُعْطِيتُ هَذِهِ الْآيَاتِ مِنْ آخِرِ الْبَقَرَةِ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ، لَمْ يُعْطَهَا نَبِيٌّ قَبْلِي». (أخرجه مسلم (522) دون موطن الشاهد، والطيالسي (418)، وابن أبي شيبة في المصنف (32306)، وأحمد (23251) واللفظ له. وغيرهم.)
وفي حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: أمرني خليلي صلى الله عليه وسلم بسبع، وذكر منها: «وَأَمَرَنِي أَنْ أُكْثِرَ مِنْ قَوْلِ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، فَإِنَّهُنَّ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ». (أخرجه البزار (3966)، وابن أبي شيبة في المصنف (35491)، وهناد في الزهد (1013)، وأحمد في المسند (21415) واللفظ له، وفي الزهد (401).)
ونؤمن أن الرسول صلى الله عليه وسلم يسجد تحت العرش يوم القيامة حتى يشفع الشفاعة العظمى، ففي حديث الشفاعة الطويل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فَأَنْطَلِقُ، فَآتِي تَحْتَ العَرْشِ، فَأَقَعُ سَاجِدًا لِرَبِّي عز وجل، ثُمَّ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ مَحَامِدِهِ وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ، شَيْئًا لَمْ يَفْتَحْهُ عَلَى أَحَدٍ قَبْلِي، ثُمَّ يُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ سَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ. فَأَرْفَعُ رَأْسِي، فَأَقُولُ: أُمَّتِي يَا رَبِّ، أُمَّتِي يَا رَبِّ، ...». (أخرجه البخاري (4712)، ومسلم (194)، والترمذي (2434)، وابن ماجه (3307).)
ونؤمن أن أرواح الشهداء تأوي إلى قناديلَ معلقةٍ في ظل العرش، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَمَّا أُصِيبَ إِخْوَانُكُمْ بِأُحُدٍ جَعَلَ اللَّهُ أَرْوَاحَهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ، تَرِدُ أَنْهَارَ الْجَنَّةِ، تَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا، وَتَأْوِي إِلَى قَنَادِيلَ مِنْ ذَهَبٍ مُعَلَّقَةٍ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ...». (أخرجه أبو داود (2520)، وابن المبارك في الجهاد (62)، وابن أبي شيبة (19678)، وأحمد (2388).)
وقيل لابن المبارك: كيف نعرف ربنا؟ قال: «بأنه فوق السماء السابعة على العرش، بائن من خلقه». (الرد على الجهمية، للدارمي (ص: 47)، والأسماء والصفات، للبيهقي (2/336)، والفتوى الحموية الكبرى (ص: 333)، وشرح الطحاوية - ط دار السلام (ص: 219).)
وقال الإمام الدارمي رحمه الله: «فالله تبارك وتعالى فوق عرشه، فوق سمواته، بائن من خلقه، فمن لم يعرفه بذلك لم يعرف إلهه الذي يعبد، وعلْمه من فوق العرش بأقصى خلقه وأدناهم واحد، ولا يبعد عنه شيء؛ لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ} [سبأ: 3]. سبحانه وتعالى عما يصفه المعطلون علوًّا كبيرًا». (الرد على الجهمية (ص: 47).)
ونؤمن أن العرش تحمله الملائكة، قال تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيم} [غافر: 7]. وقال تعالى: {وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَة} [الحاقة: 17].
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن بعض صفات حملة العرش فقال: «أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ مِنْ مَلَائِكَةِ اللَّهِ مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ، إِنَّ مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إِلَى عَاتِقِهِ مَسِيرَةُ سَبْعِ مِائَةِ عَامٍ». (أخرجه أبو داود (4727)، والطبراني في الأوسط (1709)، وأبو الشيخ في العظمة (476)، وابن شاهين في الفوائد (19).)
ونؤمن أن الملائكة تحفُّ بعرش الرحمن، قال الحق: {وَتَرَى الْمَلاَئِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين} [الزمر: 75].
والعرش مع الكتاب المذكور في قوله صلى الله عليه وسلم: «لَمَّا قَضَى اللَّهُ الخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتَابِهِ، فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ العَرْشِ: إِنَّ رَحْمَتِي غَلَبَتْ غَضَبِي» (أخرجه البخاري (3194)، ومسلم (2751)، والترمذي (3543)، وابن ماجه (189، 4295).) هما أعلى المخلوقات، قال صلى الله عليه وسلم: «... فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَسَلُوهُ الفِرْدَوْسَ؛ فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الجَنَّةِ، وَأَعْلَى الجَنَّةِ، وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الجَنَّة». (أخرجه البخاري (7423).)
ونؤمن أن الله مُسْتَوٍ على عرشه استواءً يليق بجلاله، قال تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: 54]، وقال الحق جل في علاه: {الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} [الفرقان: 59].
وقد سـئل ربيعة الرأي عن قـول الله تبارك وتعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5]: كيف استوى؟ قال: «الكيف مجهـول، والاستواء غير معقول، ويجب عليَّ وعليكم الإيمانُ بذلك كله». (الأسماء والصفات للبيهقي (2/306)، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (3/582).)
وجاء رجل إلى مالك بن أنس فقال: يا أبا عبدالله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}: كيف استوى؟ قال: فما رأينا مالكًا وجد من شيء كوَجْدِهِ من مقالته، وعلَاه الرُّحَضَاءُ، وأطرق، وجعلنا ننتظر ما يأمر به فيه، قال: ثم سُرِّي عن مالك، فقال: «الكيف غير معقول، والاستواء منه غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وإني لأخاف أن تكون ضالًّا، ثم أمر به، فأخرج». (الرد على الجهمية، للدارمي (ص: 66)، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (3/441)، وحلية الأولياء وطبقات الأصفياء (6/325)، والاعتقاد، للبيهقي (ص: 116)، وشرح السنة، للبغوي (1/171). والأسماء والصفات، للبيهقي (2/306).)
وكان الإمام أحمد يقول في معنى الاستواء: «هو العلو والارتفاع، ولم يزل الله تعالى عاليًا رفيعًا قبل أن يخلق عرشه، فهو فوق كل شيء، والعالي على كل شيء، وإنما خصّ الله العرش لمعنًى فيه مخالفٍ لسائر الأشياء، والعرش أفضل الأشياء وأرفعها، فامتدح الله نفسه بأنه على العرش استوى؛ أي: عليه علا... وحكي عن عبدالرحمن بن مهدي عن مالك: أن الله تعالى مستوٍ على عرشه المجيد كما أخبر، وأن علمه في كل مكان». (العقيدة رواية أبي بكر الخلال (ص: 108).)
وربوبية الله سبحانه وتعالى للعرش دليل على استحقاقه للعبادة دون من سواه، فقال الله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُون} [الأنبياء: 22]، وقال تعالى: {قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيم} [المؤمنون: 86]، وقال المولى عز شأنه: {قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لاَّبْتَغَوْاْ إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلا} [الإسراء: 42].