ونعلم أن مما يضاد الإيمان بالله: الكفر بالله.
والكفر يكون أكبر وأصغر، والأكبر مُخْرج من الملة، ولا يقبل الله من صاحبه صرفًا ولا عدلًا، وهو مُحْبط لجميع الأعمال، والكافر خالد مخلَّد في النار. أما الأصغر فيضاد كمال الإيمان.
ونعلم أن الكفر الأكبر أنواع، أخبر الله عنها في كتابه، وذكر أن كفر الكافرين تارة يكون جحودًا، وتارة يكون امتناعًا واستكبارًا عن الحق، وتارة يكون تكذيبًا، ولا فرق بين التكذيب باللسان، والتكذيب بالقلب، وتارة يكون شكًّا وظنًّا، فهو متردد في أمر الحق شاكٌّ في البعث ولقاء الله، وتارة يكون سبًّا واستهزاءً، وتارة يكون إعراضًا وصدًّا عن سبيل الله، وتارة يكون بغضًا للحق.
ونعلم أن من الكفر كفرًا دون الكفر الأكبر، وهو الكفر الأصغر، ولا يضاد أصل الإيمان، ولكنه يضاد كماله، وهو لا يخلد صاحبه في النار، ولا يحبط جميع الأعمال، وهو أنواع كثيرة.
ومنه: قتال المسلم، فهذا كفر لا يُخرج من الملة، ولا يُخلد صاحبه في النار؛ لأن الله سمى المؤمنين المتقاتلين إخوانًا فسماهم مؤمنين، وهم يتقاتلون.
ونعلم أن مما يضاد الإيمان بالله: الشرك بالله العظيم - وهو أعظم الظلم - والشرك يحبط جميع الأعمال، والشرك لا يغفر الله لصاحبه إذا مات ولم يتب، والمشرك إذا مات ولم يتب فالجنة عليه حرام، ومأواه جهنم خالدًا فيها.
وقد أبطل الله الشرك، ونعى على المشركين شركهم، وبين فساد اتخاذهم الأنداد، وأنها لا تنفع، ولا تضر، فتارة يبين أن هؤلاء الشركاء لا يسمعون، ولو سمعوا ما استجابوا لمن دعاهم. وتارة يبين الحق أن هؤلاء الشركاء لا ينفعون ولا يضرون، ولا يملكون موتًا ولا حياة. وتارة يبين الحق أن هؤلاء المعبودين من دون الله أنقص ممن عبدها؛ لأنها لا تمشي، ولا تبطش، ولا تسمع، ولا ترى. وتارة يبين المولى عز شأنه عجز هذه المعبودات وضعفها، وتارة يحكم عليها المولى عز شأنه بالفقر والقلّة، وأنها لا تملك مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ملكًا تامًّا، ولا تملك شراكة في شيء من ذلك، وليس شيء منها ظهيرًا ومعينًا لله سبحانه وتعالى، ولا شفيعًا عنده. وتارة يبين الحق سبحانه وتعالى أن وجود آلهة مع الله ممتنع عقلًا، ومستحيل كونًا، وباطل شرعًا.
ونعلم أن الشرك الأكبر أنواع كثيرة:
منها: أن يُجْعل مع الله شريكٌ في ربوبيته وخلقه وملكه ورزقه وتدبيره، وبين الحق أنه هو المتفرد سبحانه بالخلق والأمر.
ومنها: أن يجعل العبد لله ولدًا -تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا.
ومنها: الإيمان بالكواكب وعبادتها، ومن ذلك -أيضًا- الاستسقاء بالنجوم، واعتقاد أنها تجلب الرزق.
ومنها: أن يجعل مع الله شريكًا في أسمائه أو صفاته سبحانه وتعالى، كمن يزعم أن أحدًا غير الله يعلم الغيب. وقد جاء الوعيد الشديد على من سمى نفسه، أو سمى غيره باسم من أسماء الله التي لا تنبغي إلا لله كلفظ الجلالة «الله»، أو «الرحمن».
ومنها: أن يعتقد أن أحدًا من الخلق متصفٌ بالكمال الإلهي، أو أنه على كل شيء قدير، كيف؟! وقد أبان سبحانه وتعالى عن العجز التام للعابدين والمعبودين من دونه.
ومنها: أن يجعل مع الله آلهة أخرى.
ومنها: أن يصرف العبادة أو جزءًا منها لغير الله.
ومنها: الذبح لغير الله على سبيل التقرب، كمن يذبح للأصنام أو الموتى تقربا إليهم.
ومنها: النذر لغير الله، والنذر عبادة لله لا يجوز صرفه لغير الله؛ ولذا مدح الله المؤمنين الذين يوفون بالنذر.
ومنها: الاستعاذة بغير الله.
ومنها: الاستغاثة والاستعانة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، أو دعاء غير الله تعالى.
ومنها: شرك الطاعة لغير الله، وذكر الله أن أهل الكتاب اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا يشرعون لهم، ويحرمون عليهم ما أحل الله لهم.
ومنها: الشرك في الصلاة والركوع والسجود والطواف؛ ذلك أن هذه العبادات وأمثالها لا يجوز صرفها لغير الله، وأمر الله خليله عليه السلام أن يطهر بيته للطائفين والعاكفين والرُّكَّع السجود، وذكر الله أنه لا يستنكف عن عبادته إلا المتكبرون، وذكر الله أن كل المخلوقات تسجد لله.
ومنها: الحكم بغير ما أنزل الله، والتحاكم إلى غير الله، كما فعل أهل الكتاب وغيرهم؛ حيث جعلوا لله شركاء يشرعون لهم الشرائع، وهذا تارة يكون كفرًا، وتارة يكون ظلمًا، وتارة يكون فسوقًا.
ومنها: شرك المحبة، وهي أن يحب المرء مخلوقًا محبة مقترنة بالذل والتعظيم والخضوع.
ومنها: شرك الخوف والخشية، وهو أن يخشى أو يخاف من مخلوق خوفًا مقترنًا بالخضوع والذل والتعظيم، كأن يخافـه أن يُنْزل به البلاء، أو يمنع عنه الخير، أو أن يترك لأجله واجبًا، أو أن يفعل لأجله محرمًا على سبيل التقرب، وبين الحق جل في علاه أن أهل ولايته لا يخشون إلا الله سبحانه وتعالى.
ومنها: شرك الرجاء، وهو كمن يرجو من مخلوق حي حاضر أو غائب ما لا يقدر عليه إلا الله، أو يرجو من الأموات تفريج الكربات وقضاء الحاجات والشفاعة يوم القيامة.
ومنها: السحر.
ومنها: الكهانة والعرافة؛ لأن من يدّعيها يدعي علم الغيب.
ونعلم أن من الشرك شركًا أصغر لا يخرج من الملة، ولا يضاد أصل الإيمان، ولكنه يضاد كماله، وهو لا يخلد صاحبه في النار، ولا يحبط جميع الأعمال، وهو أنواع كثيرة.
ومنه: الطِّيَرة، وحدُّ الطيرة -كما في الحديث - ما أمضاك أو ردك.
ومنه: تعليق التمائم.
ومنه: يسير الرياء، أما من امتلأ قلبه من الرياء، وصار يعمل الصالحات بلا نية ولا إيمان ولا خشية، فهو المنافق الخالص، وعمله حابط مردود غير مقبول، والرسول صلى الله عليه وسلم سماه شرك السَّرائر، وبين صلى الله عليه وسلم أن الرياء خفي جدًّا، وأنه صلى الله عليه وسلم كان يخافه على أمته أشد من خوفه عليها من المسيح الدجال.
ومنه: إرادة الإنسان بعمله الدنيا، وهذا متردد بين أن يكون شركًا أكبر، وأن يكون أصغر بحسب ما يقوم في قلب العبد.
ومنه: التنجيم، والتنجيم قد يكون شركًا أكبر، وقد يكون شركًا أصغر بحسب ما يقوم بالقلب.
ومنه: قول الرجل: ما شاء الله وشئت وما شابهها من الألفاظ.
ومنه: الحلف بغير الله.
ونعلم أن مما يضاد الإيمان بالله: النفاق، وهو إظهار الإسلام، وإخفاء الكفر، وهو أكبر وأصغر، والنفاق هو الكفر، أن يكفر بالله ويعبد غيره، ويظهر الإسلام في العلانية، مثل المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والنفاق الأكبر مخرج من الملة، ونشهد بشهادة الله أن المنافقين كاذبون في دعواهم الإيمان.
ولا يقبل الله من المنافق صرفًا ولا عدلًا، ومآل المنافق - إن مات على النفاق - الخلود في النار.
ونعلم أن النفاق الأكبر يكون بغضًا للحق وكراهية له، ويكون فرحًا بهزيمة الإسلام وأهله، وحسرة إن رأوا نصرًا للإسلام. ويكون كفرًا بعد إيمان، وإعراضًا عن قبول التحاكم إلى الشرع. ويكون ظنًّا بالله ظن السوء أنه لن ينصر نبيه صلى الله عليه وسلم ودينه، ويكون سخرية من الحق وأهله، وسبًّا لهم واستهزاءً بهم - ويكون لمزًا للمسلمين - ويكون مخادعة لأهل الإيمان ورياءً بالأعمال.
وأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بجهاد المنافقين.
ونعلم أن النفاق الأصغر لا يخرج من الملة، ولا يحبط العمل، ولا يخلد صاحبه في النار، ولا يضاد أصل الإيمان ولكنه يضاد كماله، وأن النفاق شعب أربع، من كنّ فيه كان منافقًا، ومن كانت فيه خصلة من هذه الأربع كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر
* والبدعة كلها ضلالة.
ونؤمن أن الله قد أكمل لنا الدين، وأتمَّ علينا النعمة. ومما يضاد كمال الإيمان البدع في الدين، ونعلم أن الله نهى عن التفرق والاختلاف.
ونعلم أن من البدع تعظيم القبور والبناء عليها، وقد تصل إلى الشرك، ومن البدع تصوير الصالحين رجاء الاقتداء بهم بعد مماتهم.
ونعلم أن من البدع المنكرة: الاحتفالات البدعية ومشاركة الكفار أعيادهم.
ونعلم أن من البدع المنكرة: طلب البركة مما لم يجعله الله سببًا مباركًا، وهذا قد يكون سببًا إلى الشرك.