نعلم أن من البدع ما يضاد أصل الإيمان، ومنها ما يضاد كمال الإيمان، فالبدع الشِّركية والكفرية تضاد أصل الإيمان، أما البدع التي دون الشرك والكفر فتضاد كمال الإيمان.
ونؤمن أن الله قد أكمل لنا الدين، وأتم علينا النعمة، قال الحق جل شأنه: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} [المائدة: 3]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ، فَهُوَ رَدٌّ». (أخرجه البخاري (2697)، ومسلم (1718)، وأبو داود (4606)، وابن ماجه (14).)
ونعلم أن مما يضاد كمال الإيمان البدع في الدين، قال صلى الله عليه وسلم: «وإيَّاكم ومُحْدَثاتِ الأمورِ؛ فإن كُلَّ مُحدَثَةٍ بدْعَةٌ، وكل بدعَةٍ ضَلالةٌ». (أخرجه أبو داود (4607)، والترمذي (2676)، وابن ماجه (42)، وأحمد (17144)، وابن أبي عاصم في السنة (26)، وابن وضاح في البدع (54).)
وعن أبى هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا». (أخرجه مسلم (2674)، وأبو داود (4609)، والترمذي (2674)، وابن ماجه (206).)
وبوَّب البخاري رحمه الله في «صحيحه» بابًا، فقال: «باب إثم من دعا إلى ضلالة؛ أو سنَّ سنة سيئة» وأورد فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ مِنْ نَفْسٍ تُقْتَلُ ظُلْمًا، إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْهَا -وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ: مِنْ دَمِهَا- لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ القَتْلَ أَوَّلًا». (أخرجه البخاري (7321)، ومسلم (1677)، والترمذي (2673)، والنسائي (3985)، وابن ماجه (2616).)
وعن أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ»، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اليَهُود، وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: «فَمَنْ» ؟!. (أخرجه البخاري (3456)، ومسلم (2669).)
ونعلم أن الله نهى عن التفرق والاختلاف، فقال جل شأنه وتقدست أسماؤه: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيم} [آل عمران: 105]، وقال عز من قائل: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم} [النور: 63].
ونعلم أن من البدع تعظيم القبور والبناء عليها -وهذا قد يكون سببًا إلى الشرك. ومن البدع أيضًا تصوير الصالحين رجاء الاقتداء بهم بعد مماتهم، قال صلى الله عليه وسلم: «... أَلَا وَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ، أَلَا فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ، إِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ». (أخرجه مسلم (532).)
وعن عائشة رضي الله عنها: أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ، وَأُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتَا كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِالحَبَشَةِ فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَذَكَرَتَا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «إِنَّ أُولَئِكَ إِذَا كَانَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَمَاتَ، بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا، وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ، فَأُولَئِكَ شِرَارُ الخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ القِيَامَةِ». (أخرجه البخاري (427)، ومسلم (528)، والنسائي (704).)
وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بطمس التماثيل، وتسوية القبور، فعن أبى الهياج الأسدي قال: «قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ أبي طَالِبٍ رضي الله عنه: أَلَا أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ أَلَّا تَدَعَ تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْتَهُ، وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتَهُ». (أخرجه مسلم (969)، وأبو داود (3218)، والترمذي (1049)، والنسائي (2031).)
ونعلم أن من البدع المنكرة الاحتفالات البدعية، ومشاركة الكفار أعيادهم، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ، وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَقَالَ: «مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟» قَالُوا: كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْأَضْحَى، وَيَوْمَ الْفِطْرِ». (أخرجه أبو داود (1134)، والنسائي (1556)، وإسـماعيل بن جعفر في حديث علي ابن حجر (62)، وأحمد (12827)، وعبد بن حميد (1392).)
وقال جل ثناؤه: {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلاَ يُنَازِعُنَّكَ فِي الأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُّسْتَقِيم} [الحج: 67]. وعن ابن عباس رضي الله عنهما، في قوله تعالى: {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ}: «يَقُولُ: عِيدًا»، (تفسير الطبري (18/679)، وابن أبي حاتم في التفسير (14718).) وقال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وَهَذَا عِيدُنَا». (أخرجه البخاري (952)، ومسلم (892)، وأبو داود (1593)، وابن ماجه (1898).)
ونعلم أن من البدع المنكرة طلب البركة مما لم يجعله الله سببًا مباركًا، وقد يكون وسيلة إلى الشرك، فعن أبي واقد الليثي رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا خَرَجَ إِلَى حُنَيْنٍ مَرَّ بِشَجَرَةٍ لِلْمُشْرِكِينَ يُقَالُ لَهَا: ذَاتُ أَنْوَاطٍ، يُعَلِّقُونَ عَلَيْهَا أَسْلِحَتَهُمْ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «سُبْحَانَ اللَّهِ! هَذَا كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى: {اجْعَل لَّنَا إِلَـهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} [الأعراف: 138] وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَرْكَبُنَّ سُنَّةَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ». (أخرجه الترمذي (2180)، ومعمر في الجامع (20763)، وعبدالرزاق في التفسير (931)، وابن أبي شيبة (38530).)