نعلم أن الذنوب منها كبائر وصغائر، قال عز وجل: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ} [النجم: 32]، وقال عز وجل أيضًا: {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا} [النساء: 31].
وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رجل: يا رسول الله، أي الذنب أكبر عند الله ؟ قال: «أن تدعو لله ندًّا وهو خلقك»، قال: ثم أي؟ قال: «أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك»، قال: ثم أي؟ قال: «أن تزاني حليلة جارك»؛ فأنزل الله تصديقها: {وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ} . (أخرجه البخاري (6001) ومسلم (86).)
ونعلم أن الإيمان يزيد وينقص، قال تعالى: {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُون} [التوبة: 124]. فالطاعات تزيد الإيمان وتثبته ، والذنوب تنقص الإيمان وتضعفه، فالمعصية -التي دون الكفر والشرك- تضاد كمال الإيمان، ومرتكب الكبيرة لا يُسلب مطلق الإيمان، ولا يستحق وصف الإيمان المطلق؛ لأنه جاء بما ينقص إيمانه، ولهذا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً، يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ، حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ»، (أخرجه البخاري (2475)، ومسلم (57).) وقال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ»، (أخرجه مسلم (49).) وقال صلى الله عليه وسلم مخبرًا عما يكون في يوم القيامة: «... فَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى: اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ...» ، (أخرجه البخاري (7493)، ومسلم (183).) فدلت هذه الأحاديث على أن الذنوب تُضعف الإيمان.
وصاحب الكبيرة مُتَوَعَّد بالعقوبة على كبيرته ما لم يتب منها، أو يقام عليه الحد- إن كانت الكبيرة مما يترتب عليه الحد، أو يغفر الله له بأحد أسباب المغفرة وهي كثيرة. قال جل شأنه: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [النساء: 48].